رسالة جامعية ‌في مواجهة التشيع (القسم الأول)

الجمعة 24 نوفمبر 2017 - 16:09 بتوقيت مكة
رسالة جامعية ‌في مواجهة التشيع (القسم الأول)

قدّمت رسالة جامعية لنيل درجة متخصص «ماجستير» في التاريخ الاسلامي، من جامعة محمد بن سعود الاسلامية ـ قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية ـ تحت عنوان «عبداللّه بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الاسلام» تأليف سليمان بن حمد العودة.

السيد سامي البدري

نص المقال

قدّمت رسالة جامعية لنيل درجة متخصص «ماجستير» في التاريخ الاسلامي، من جامعة محمد بن سعود الاسلامية ـ قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية ـ تحت عنوان «عبداللّه بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الاسلام» تأليف سليمان بن حمد العودة. وهي تبحث في إثبات وجود عبداللّه بن سبأ، مع إشارة مجملة إلى الصلة بين مقولاته وعقيدة الشيعة، وإلى الصلة بينه وبين فرق الغلوّ في مجتمع المسلمين.

ونظراً لما فيها من خلل في منهج البحث وهنات يمكن غضّ الطرف عن بعضها، وبعضها الاخر لا يغتفر حين يصدر من موقع البحث العلمي المتخصّص، قُدّمت هذه الدّراسة النقدية لها، ننشرها في قسمين متتاليين.

من يتحمّل مسؤولية الرسائل الجامعية؟!

الفرق بين الرسائل الجامعية والاعمال الفردية يكمن في سعة وضيق تحمُّل مسؤولية البحث، فالعمل الفردي يتحمل مسؤوليته كاتبه لوحده، كما يتحمّل مسؤولية نشره الناشر.

أمّا الرسالة الجامعية فإنَّ الذي يتحمّل مسؤوليتها العلمية ليس الكاتب وحده، بل الاستاذ المشرف ولجنة المناقشة والجامعة نفسها.

ومن هنا فإنّ أي خلل في منهج البحث سوف ينعكس مباشرة على هؤلاء جميعاً والرسالة و موضوع النقد من هذا القبيل.

خلاصة الرسالة

جاء في مقدمة الرسالة تعليقاً علي موضوعها: إن الموضوع تناولته الاقلام من شتّى المشارب، فالمستشرقون لم يزهدوا في البحث فيه، واستغلّ بعضهم تلك الاحداث ـ أي أحداث الثورة على عثمان وحرب الجمل ـ للطعن في الاسلام أو النيل من أعراض الصحابة الكرام، يريد بذلك قول المستشرق «فلهاوزن» عن معاوية: (إنّ علياً ـ إنْ طوعاً أو كرهاً ـ قد عقد ميثاقاً مع الشيطان أي معاوية).

ثم يقول: وتبع اُولئك تلامذتهم من المستغربين الذين ابعدوا النُّجعة في تحليلاتهم لتلك الاحداث يريد بذلك الدكتور طه حسين لانـّه عمّق الشك في وجود ابن سبأ وأنّ ما يروي عنه تضخيم من قبل خصوم الشيعة.

ثمّ يقول: يضاف إلى هؤلاء واُولئك طائفة من الشيعة المحدثين لبسوا لبوس البحث العلمي حتي يقنعوا الناس بنتائج ابحاثهم. يريد بذلك العلاّمة العسكري في كتابيه «عبداللّه بن سبأ» و«خمسون ومائة صحابي مختلق» كما سيأتي.

وذكر المؤلّف خلاصة بنتائج بحثه وأجملها في النقاط التالية:

1 ـ البحث يكشف عن حقيقة وجود عبدالله بن سبأ وجوداً تؤكده الروايات القديمة، وتفيض به المقالات والفرق، والغالبية من كتب التراث، وأخبار الشيعة المتقدّمين، وسار على نهج هؤلاء المحقّقون من الباحثين المحدّثين.

2 ـ يبدو أنّ أوّل من شكك في وجود ابن سبأ بعض المستشرقين، ثمّ دعم هذا، الغالبية من الشيعة المحدثين، وأنكر بعضهم وجوده، وبرز مع هذه المجموعة من أولع بآراء المستشرقين، ومن تأثّر بكتابات الشيعة المحدثين; ولكن هؤلاء واُولئك ليس لهم من دعائم الشك إلاّ الشك ذاته.

3 ـ التوصل إلى حقيقة وجود ابن سبا يجلِّي عاملاً خطيراً من عوامل الفتنة (الثورة) المنتهية بقتل الخليفة عثمان، كما تكشف عن الدور الذي قام به ابن سبأ وأعوانه في وقعة الجمل.

4 ـ البحث وإن كان ينتهي دون أن يحدّد نهاية ابن سبأ بعد أن يثبت وجوده بعد استشهاد علي عليه السلام، نقول مع هذا الغموض في تحديد النهاية والذي يقابله غموض في المبدأ والمنشأ ـ اذ لا يعرف عنه اكثر من كونه يهودياً من أهل اليمن أسلم في عهد عثمان ـ فإن ذلك لا ينتصب دليلاً على الانكار أو حتّى عاملاً من عوامل التشكيك.

5 ـ ان ابن سبأ ليس وحده بل هناك طائفة تقول بقوله وتعتقد ما يعتقده، وقد نسبت إليه وأطلق عليها (السبئية).

ثم يقول اخيراً: انّه يخلص من البحث بالنتائج التالية:

أوّلاً: إنّ عبداللّه بن سبأ اليهودي هو أصل التشيع. ويستدلّ بثلاثة أنواع من الادلّة:

1 ـ إنّ عقيدة الشيعة بالوصية وبأنّ الائمّة عليهم السلام يعلمون الغيب، ولهم ولاية تكوينية، وبمصحف فاطمة، وبالبداء، والرّجعة، والطعن على أصحاب الجمل وصفّين والخلفاء الثّلاثة، هي عقيدة ابن سبأ.

2 ـ إنّ براءة الشيعة من ابن سبأ لا تكفي، لانّ من بين السبئية علماء من الشيعة أمثال جابر الجُعفي (الذي كان يقول انّ علياً يرجع إلى الدنيا).

3 ـ كلمات ابن قتيبة، والاسفرايني، والذهبي، وابن تيمية، ومن كلمات هذا الاخير: انّ اوّل من اتّهم بالرفض والقول بالنصّ في علي وعصمته كان منافقاً زنديقاً أراد إفساد دين الاسلام وهو عبداللّه بن سبأ.

ثانياً: إنّ السبئية أصل تفرّعت عنه فرق اُخرى من فرق الضّلال التي سبقت في مجتمع المسلمين، ويذكر على سبيل المثال:

1 ـ طائفة المغيرية المنسوبة إلى المغيرة بن سعيد.

2 ـ طائفة الكيسانية أتباع المختار بن أبي عبيدة الثقفي القائلين بإمامة محمّد بن الحنفية، وإنّهم كانوا أبرز جنود المختار.

3 ـ الاسماعيلية.

4 ـ القرامطة.

تعليقنا علي الرسالة

لا يخفي على قارئ الرسالة أنّ الجهد المبذول فيها كان لاجل مواجهة بحث علمي خطير جدّاً يحمل عنوان: «عبداللّه بن سبأ وأساطير اُخرى» قام به العلاّمة السيد مرتضى العسكري أحد كبار علماء الشيعة في العراق، وقد ألمح مؤلّف الرسالة إلى ذلك حين اهتمّ كثيراً بهذا البحث وكتب عنه عشرَ صفحات مشيراً إلى اهتمام الباحثين المعاصرين به.

وليس من الصعب على قارئ كتابَي العلاّمة العسكري «عبداللّه بن سبأ» في مجلّدين و«خمسون ومائة صحابي مختلق» في مجلّدين، وقد كرّسا لنقد أحاديث سيف بن عمر، ورسالة التخصّص وقد كرست للاعتماد علي أحاديث سيف، أن يخرج ليس فقط بنتيجة عدم التكافؤ بين الدراستين بل بعدم الموضوعية في عرض أدلّة الطرف الاخر.

نقد المصدر أهمّ عمل في الدراسة المتخصصة للتاريخ

من المعروف لدى الجامعات العالمية اليوم أنّ البحث المتخصص في التاريخ يعنى عناية خاصّة بالمصدر نقداً وتمحيصاً، وقد انفتح الغرب على هذا النوع من التخصّص التاريخي في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك بعد ظهور كتاب (المدخل إلي الدراسات التاريخية) تأليف «لانجلوا» و«سينوبوس» الفرنسيان وقد ظهرت الطبعة الاولى منه سنة 1898م، وقد عالج الكتاب شروط المعرفة في التاريخ وعلاماتها وحدودها وكيفية التعامل مع الوثائق من أجل الافادة منها من خلال نقدها خارجياً وداخلياً، ومعنى نقدها خارجياً ضبط نسخة الوثيقة أو نسخها، ومعنى نقدها داخلياً نقد مصدرها أو المصادر التي اعتمدها المؤلّف أو الرّواة الاوائل الذين أخذ عنهم، ثمّ نقد أمانة المؤلّف وأهدافه من وراء الكتاب.

ومن المعروف أيضاً لدى أهل الخبرة في الدراسات الاسلامية أنّ علماء المسلمين سبقوا الغرب في نقدهم لمصدر الخبر والرواية وألّفوا في ذلك مئات الكتب والفهارس والمعاجم المعنية برجال الرواية وكلمات معاصريهم حولهم وحول مصنّفاتهم ورواياتهم، وذلك بسبب ما مني به الحديث والرواية من وضع وتحريف وخاصة في القرون الثلاثة الهجرية الاُولى، وهي قضية لا يختلف عليها اثنان من علماء المسلمين.

منهج العلاّمة العسكري ونتائجه

ولم يكن العلاّمة العسكري في كتابه «عبداللّه بن سبأ» المطبوع سنة 1375هـ، أوّل باحث سلّط الضوء علي روايات سيف بن عمر، فقد سبقه إلى ذلك العلاّمة الاميني رحمه اللّه في كتابه الغدير الجزء الثامن المطبوع سنة 1950م ـ 1369هـ وفي الجزء التاسع المطبوع بعده.

وقد سبق العلاّمة الاميني في شيئ من ذلك طه حسين في كتابه «الفتنة الكبرى»، على أن عمل الاميني رحمه اللّه لم يكن تكراراً لشكوك طه حسين، بل كان خطوة اُخرى بإتّجاه نقد روايات سيف.

وممّا لا شك فيه أنّ المستشرق الايطالي «كايتاني» (1869 ـ 1926م) كان أسبق من طه حسين في إثارته الشك بعبد اللّه بن سبأ، حيث نشر بحثه في «حوليات الاسلام» ج 8 سنة 1918م.

وأسبق منه المستشرق الالماني «فريد لندر» الذي نشر بحثه عن عبداللّه بن سبأ في «المجلّة الاشورية» في العددين سنة 1909 ـ 1910م، وقد ابتدأ بذكر ما أورده الطبري من رواية سيف بن عمر عن عبداللّه بن سبأ، وما أورده الشهرستاني في «الملل والنحل» وأشار إلى الاختلاف في المعلومات ولكنّه لم ينف وجود شخصية ابن سبأ.

وقد حاولت «الرسالة» أن تجعل جهد العلاّمة العسكري والعلاّمة الاميني من قبل ـ ولم يشر إليه في البحث ـ امتداداً لشكوك المستشرقين وطه حسين، وقد فات مؤلّفها أن تشكيك بعض المستشرقين بعبداللّه بن سبأ جاء نتيجة اطّلاعهم على كلمات الرجاليين في سيف الذي هو مصدر الحديث عن عبدالله بن سبأ في كتب التاريخ.

وجاء نقد المرحوم الاميني لاحاديث سيف في الجزء الثامن والتاسع من «الغدير» (1950 ـ 1951م) في سياق ترجمته للخليفة عثمان وما جرى بينه وبين عمّار وأبي ذر وغيرهم، وتحقيق الاحداث التي نقمت عليه، وقد ميز بين رواية سيف للاحداث التي جاءت عاذرة لعثمان وولاته، ورواية غيره التي كانت تضع اللوم عليه وعلى ولاته، وانتهى العلاّمة الاميني إلى القول باختلاق سيف ما أورده في روايته تلك، ومنها قصّة عبداللّه بن سبأ، وعدّ وجود هذه الشخصية وهماً وخرافة.

أمّا العسكري فقد جاء نقده لاحاديث سيف في سياق مشروع كتابته للتأريخ الاسلامي منذ البعثة إلي القرن الخامس الهجري، وقد قسمه إلى عهود هي: الاسلام في مكة، الاسلام في المدينة، الاسلام في العراق (أي خلافة الامام علي بن أبي طالب عليهالسلام) الاسلام في الشام (اي العهد الاموي) الاسلام في العراق (أي العهد العباسي).

ولمّا شرع في جمع المعلومات لفت نظره عدد من الروايات التي لا تصدق على الرسول وأصحابه فأفردها في حقل خاص وصنّفها على أساس رواتها، وازداد عددها بعد ذلك.

ورأي أخيراً أنـّه لا يستطيع كتابة تاريخ الاسلام ما لم يدرس تلك الروايات أوّلاً. ثمّ لفت نظره اسم سيف يتردّد في عدد من تلك الروايات التي تفرض على قارئها الشك فيها، واتّجه إلى كتب الرجال ليقرأ عنه، وإذا به يفاجأ بكلماتهم السلبية فيه، فعكف على دراسة رواياته قبل غيره سنداً ومتناً وبشكل مقارن فوجد نفسه أمام مقطع من الاساطير والموضوعات.

ثمّ ألحق بما درسه من أحاديث سيف اسم أربعين صحابياً عدّهم من مختلقات سيف كالقعقاع وأخيه وغيرهما.

ثمّ نشر العسكري بعد ذلك دراسة تفصيلية عن ثلاثة وتسعين صحابياً في كتابه الذي يحمل عنوان «خمسون ومائة صحابي مختلق» صدرت الطبعة الاولى من الجزء الاوّل سنة 1387هـ ـ 1967م، وضمّنه الاشارة إلى واحد وسبعين راوياً عدّهم أيضاً من مختلقات سيف.

واستخلص في دراسته لاحاديث سيف ونتائجها اُموراً ثلاثة:

الاوّل: دراسته أسانيد روايات سيف واكتشافه أنّ عدداً من المجهولين في هذه الاسانيد لا يذكرهم ولا يروي عنهم غيره، ومن هنا اعتبرهم العسكري من مختلقاته.

الثاني: مقارنته روايات سيف مع روايات غيره واكتشافه إنفراد سيف بما يذكره من أسماء عدد من الصحابة، وتفاصيل حياتهم، كالقعقاع وأخيه وغيرهما، وكذلك ينفرد بتفاصيل عدد من الوقائع المعروفة عند غيره بشكل آخر، واعتبر العسكري أنّ ذلك من مختلقاته أيضاً.

الثالث: أنّ شخصية عبدالله بن سبأ المذكورة في كتب التاريخ القديمة والحديثة وكونه رأس الفتنة التي انتهت بقتل عثمان وحرب الجمل، والتي ينتهي سندها إلى سيف لا غير، هي من مختلقات سيف أيضاً.

أمّا بخصوص شخصية عبدالله بن سبأ، فإنّ العسكري زاد على جهد سلفه المرحوم الاميني فيه أنّ درسه في كتب أهل الملل والنحل، وفي كتب الحديث، مضافاً إلى دراسته في كتب التاريخ وتوصّل إلى:

-أنّ عبدالله بن سبأ المذكور في كتب التاريخ، والذي يحاول خصوم الشيعة ربط التشيع والقول بالوصية لعلي عليه السلام به، من مختلقات سيف وهو كما ذكره المرحوم الاميني في كتابه «الغدير».

-وأنّ عبداللّه بن سبأ المذكور في كتب أهل الملل والنحل مأخوذ من أفواه النّاس، ولذلك جاءت المعلومات عنه متضاربة.

-وأنّ عبداللّه بن سبأ المذكور في كتب الحديث تصحيف عبداللّه بن وهب الراسبي.

وقد تناول ذلك مفصّلاً في بحوث الجزء الثاني من كتابه «عبداللّه بن سبأ» وترك دراسة حوادث الفتنة وحرب الجمل برواية سيف ومقارنتها برواية غيره إلى الجزء الثالث ولمّا يبدأ به.

أقول ينبغي لمن يريد الانتصار لوجود عبداللّه بن سبأ في التاريخ وبالتالي إثبات نشأة التشيع على يده، ينبغي لمن يريد ذلك أن ينتصر أوّلاً لوجود ثلاثة وتسعين صحابياً حذفهم بحث العلاّمة العسكري من كتب تراجم الصحابة وسائر مصادر الدراسات الاسلامية، لانّ أساس الانتصار واحد وهو إعادة الاعتبار لروايات سيف بن عمر، مضافاً إلي ذلك كون الصحابة أهمّ بكثير من عبداللّه بن سبأ، منهم رواة للحديث، ومنهم أبطال للفتوح وقادة لها، أمثال القعقاع بن عمر وأخيه عاصم وغيرهما.

منهج رسالة التخصص ونتائجه

لم يكن خافياً على أساتذة جامعة الازهر ولا جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض طبيعة المنهج الذي كتبت في ضوئه بحوث العلاّمة العسكري في كتابيه، وأن مواجهته العلمية تقوم علي أساس ردّ الاعتبار لروايات سيف في التاريخ، وجاء جهد جامعة الامام محمد بن سعود عبر استاذين مشرفين وعضوين آخرين وباحث ناشئ في رسالة التخصّص التي عرضنا لها في أوّل الحديث، لينهض بالمهمّة، فلننظر كيف اُعيد الاعتبار لروايات سيف.

كان الاصل الاوّل الذي اعتمد عليه العلاّمة العسكري والعلاّمة الاميني في بحثهما هو عرض كلمات خبراء الرجال الموثوقين في حقّ سيف وهم:

يحيي بن مَعين (ت 233هـ) الذي يقول فيه: ضعيف الحديث، فليس خير منه.

وأبو داود (ت 275هـ) الذي يقول فيه: ليس بشيئ، كذّاب.

والنسائي صاحب السنن (ت 303هـ) الذي يقول فيه: ليس بشيئ كذّاب.

وابن أبي حاتم (ت 327هـ) الذي يقول فيه: متروك الحديث.

وابن عدي (ت 365هـ) الذي يقول فيه: بعض أحاديثه مشهورة، وعامّتها منكرة لم يتابع عليها.

وابن حِبان (ت 351هـ) الذي يقول فيه: يروي الموضوعات عن الاثبات، اُتّهم بالزندقة، وقد قالوا: يضع الحديث.

والحاكم (ت 405هـ) الذي يقول فيه: متروك، اتّهم بالزندقة.

والذهبي (ت 748هـ) في «ميزان الاعتدال» الذي يقول فيه بعد أن ينقل الكلمات الانفة الذكر: إنـّه يروي عن خلق كثير من المجهولين ثمّ يستدرك فيقول: وكان أخبارياً عارفاً. ولم أجد هذا الاستدراك في كتابه «المغني في الضعفاء» على الرغم من تعليقه عليه بعد تأليفه «ميزان الاعتدال».

وابن حجر (ت 852هـ) في «تهذيب التهذيب» الذي كرّر فيه الكلمات السابقة، ولكنّه لم يذكر رأي الذهبي الانف الذكر، نعم أورده في كتابه «تقريب التهذيب» حيث قال هناك: ضعيف في الحديث، عمدة في التاريخ.

في قبال هذا كلّه تمسّك مصنّف الرسالة الجامعية بكلمة الذهبي وخلفه ابن حجر، ثمّ استشهد باعتماد الطبري على روايات سيف أكثر من غيره في إحداث الثورة على عثمان وحرب الجمل، ثم بترجيح ابن كثير (ت 774هـ) لرواية سيف في كيفية قتل عثمان على رواية خليفة بن خياط الصحيحة سنداً.

ثمّ يستشهد بكلمات كتّاب محدثين أمثال محبّ الدين الخطيب الذي يقول عن سيف وشيوخه: هم أعرف الإخباريين بحوادث العراق.

والدكتور العش الذي يقول: وجملة القول: إنّ سيف بن عمر يأتينا بقصة الفتنة ـ الثورة على عثمان وحرب الجمل ـ من مصدر حيادي مطلع، فتأتي قصّة منسجمة مع الروايات الموثوقة.

وتلميذه أحمد راتب عرموش الذي يقول: ويبدو من مراجعة كتب التراجم أنّ سيفاً لم يكن من رواة الحديث المعتمدين، لكن يجمع واضعوها على أنـّه عمدة في تاريخ حوادث صدر الاسلام.

والدكتور الطالبي الذي يقول: إنّ سيفاً لم يناقض في روايته راوياً آخر.

كان ذلك كلّ ما حشدته «الرسالة» من عُدّة لاعادة الاعتبار لسيف ورواياته، وخلاصة هذه العُدّة اُمور ثلاثة:

الاوّل: إكثار الطبري من روايات سيف، بل اعتماده عليه في موارد مهمّة، من قبيل ما جري بين معاوية وأبي ذر، فيذكر روايته فقط.

الثاني: قول الذهبي: إنـّه كان أخبارياً عارفاً. وقول خلفه ابن حجر: إنّه كان عمدة في التاريخ.

الثالث: كلمات المتأخرين عن الذهبي.

وهذا ما سنتناوله في القسم الثاني من هذه الدراسة النقدية إن شاء اللّه تعالى.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 24 نوفمبر 2017 - 15:42 بتوقيت مكة