محفوظ ولد أعزيز
عزيزي القارئ، صدق أو لا تصدق : نادي الديمقراطيات الغربية يستنجد بنادي الديمقراطيات الخليجية لمساعدته على إحداث تغيير ديمقراطي في الجمهورية العربية السورية، يستجيب للأسس و المفاهيم الواردة في الفتاوى الوهابية و رؤية التيارات السلفية التكفيرية في مجال تسيير الاختلاف و حرية الرأي و التفكير و التعبير و المساواة بين الجنسين الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟
و بما أن رؤية المجاميع الفقهية الوهابية و التيارات الجهادية التكفيرية المنبثقة عنها، قد تجاوزت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مجال الحريات العامة تفكيرا و تعبيرا و ممارسة ، فإن نادي الديمقراطيات الخليجية و على رأسه سيدة النظام الديمقراطي العالمي الجديد الولايات المتحدة الأمريكية ، قد أوكلت مهمة التغيير الديمقراطي ذي المعايير و الأسس العالمية في سوريا إلى خادم الديمقراطية و حقوق الإنسان ، فخامة رئيس الجمهورية العربية الديمقراطية السعودية عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ، يساعده في هذه المهمة رئيس جمهورية قطر الاتحادية، فخامة الرئيس حمد بن خليفة آل ثاني الأمين العام لحزب الجزيرة القطري الديمقراطي التقدمي الذي أخذ على عاتقه النضال من أجل عالم خال من الانقلابات و الأنظمة الوراثية الشمولية ، لا صوت فيه يعلو فوق صوت الثورة التشي غيفارية ذات التوجه الإخواني و النزعة الأصولية التكفيرية ، انسجاما مع الفصل الجديد من فصول الفوضى الخلاقة ، الوارد في الطبعة العربية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الشعوب، و يساعدهم في هذه المهمة الديمقراطية الملحة كل من رئيس اتحاد جمهوريات أبو ظبي و أم القوين و الشارقة و رأس الخيمة و الفجيرة و دبي و عجمان ، فخامة الرئيس الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس حزب تجمع اليسار الجديد الذي نجح في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية في اتحاد جمهورياته بأغلبية نسبية بسيطة . هذا إلى جانب رئيس جمهورية البحرين، رئيس حزب الوسط الديمقراطي البحريني المعروف اختصارا ب "كاديما" الذي حصل في انتخابات دوار اللؤلؤة الأخيرة على نسبة فاقت الستين في المائة ، استحق على أثرها "درع الجزيرة" و هو أرفع وسام لدى نادي الديمقراطيات الخليجية.
عزيزي القارئ ، إن المأخذ الوحيد الذي يؤخذ على هذا النادي الديمقراطي جدا و العريق جدا في تسيير لعبة الاختلاف هو أنه نسق في ملف الديمقراطية و حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية مع رجب آردوغان الذي وصل به الاستبداد و التخلف حد عدم السماح للسيدات في تركيا بقيادة سياراتهن في شوارع أنقره ، هذا إلى جانب تبنيه للفكر العتيق للديمقراطية العلمانية الموروثة عن الحقبة الأتاتركية ، الشيئ الذي يتنافى مع نزعته الدينية الأصولية و مع الطبعة المخصصة للمنطقة في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان، ضف إلى ذلك تنسيق هذا النادي مع مملكة شرق الأردن التي لا يزال يتحكم فيها نظام ملكي وراثي ، الشيئ الذي يتنافى مع الثوابت و الأسس التي رسمها خادم الديمقراطية و حقوق الإنسان فخامة رئيس الجمهورية العربية الديمقراطية السعودية عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.. و يتنافى كذلك مع رؤية الأمين العام لحزب الجزيرة القطري الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ذي التوجه الثوري اليساري المعادي لأنظمة التوريث الإقطاعية الرجعية ، المعادية لتطلعات الشعوب نحو الحرية و الانعتاق .. و يتنافى كذلك مع فتاوى و توجيهات المفتي الجديد للديمقراطية و حقوق الإنسان ، انسجاما مع الفصل الجديد من فصول الفوضى الخلاقة المخصص لدمقرطة المنطقة العربية ، الشيخ العرعور أمد الله في عمره الذي أفتى بحرق كل بلاد الشام لتخليصها من نزعة الممانعة غير الديمقراطية ، المعادية لتوجيهات سيدة النظام العالمي الجديد ، الساعية إلى تحويل البلاد العربية إلى دويلات متناثرة ، تتحكم فيها قيم الحرق و الذبح و السحل الديمقراطي، إيمانا منه بحرية التعبير بشتى الوسائل .
عزيزي القارئ ، و بما أن النظام السوري لم يتفهم بعد الطبعة الجديدة من الديمقراطية و حقوق الإنسان ، المخصصة للمنطقة العربية و ربما للعالم في مراحل لاحقة، ما يزال هذا النظام يتابع برنامجه الإصلاحي الديمقراطي طبقا للطبعة القديمة غير المخصصة للعرب و هو أمر فيه استفزاز غير مقبول ، كما قال الرئيس الفرنسي ساركوزي .. و يشكل تحديا لنادي الديمقراطيات الخليجية لأن فيه عدوان صريح على حقهم في امتلاك الشعوب و الأرض و ما فيها.
عزيزي القارئ، إن هذا النوع من الديمقراطية الذي تحاول السلطة السورية تطبيقه خاص بالغرب و بالغرب وحده و ما زال الغرب يحتكره و يحتفظ به لنفسه و يرفض تصديره إلى الخارج . و ربما يكون هذا النوع من القصور في الفهم لدى النظام السوري هو الذي جعله يمارس حقه في الدفاع عن أمن و استقرار بلاده و يقدم إلى الأسرة الدولية و إلى "الأشقاء" في نادي الديمقراطيات الخليجية ، صور الجرائم الوحشية التي ترتكب يوميا بحق البلاد و العباد، ظنا منهم أن هذه الممارسات لا تندرج في لعبة الديمقراطية و حقوق الإنسان ، طبقا للنسخة العربية المعدلة في هذا المجال ، جاهلا أو متجاهلا أن هذا النوع من الممارسات هو تطبيق حرفي لما هو مطلوب منا في مجال الديمقراطية : نسخة الفوضى الخلاقة المطلوبة أمريكيا ، التي تعطي الإنسان العربي كامل الحرية في الدوس على كل المنظومة القانونية و الأخلاقية و القيمية المتعارف عليها. فنحن ديمقراطيون فقط عندما نمارس حريتنا في القتل و النهب و السلب و تصفية الحسابات و قطع الطرقات و الاعتداء على الأملاك الخاصة و العامة و هزق الأرواح البريئة ..
و نحن ديمقراطيون فقط ، عندما نجيش المشاعر و نحارب التفاهم و نمزق التراحم و السلم الاجتماعي و ندق الإسفين في لحمة الوحدة الوطنية لبلادنا ..
و نحن ديمقراطيون فقط عندما نشتم حكامنا و نشكك في ولاء أمننا و جيوشنا لأوطانها .. و نحن ديمقراطيون فقط عندما نجيش الداخل و الخارج و نلتقي مع دهاقنة الصهاينة أمثال بيرنار ليفي و نأخذ منهم النصائح حول ما يجب أن نفعله في مواجهة أنظمتنا..
و نحن ديمقراطيون جدا فقط ، عندما نلتقي مع أجهزة الاستخبارات العالمية المعادية لبلادنا و لحقنا في الوجود .
و في مضمار ممارستنا للحرية و الديمقراطية على هذه الشاكلة و طبقا للنسخة المخصصة لنا أمريكيا (نسخة الفوضى الخلاقة) ، يحق لنا أن نذبح و ننهب و نسلب و نحرق و نسب و نشتم و نمارس ما نشاء . و من يقف في وجهنا هو سفاح مجرم فاقد لشرعيته و غير عادل و غير ديمقراطي . و على العدالة الدولية و مجلس الأمن و منظمات حقوق الإنسان أن تبدأ في ملاحقته قضائيا ليكون عبرة للبقية التي لم يحن دورها بعد مثل السعودية و الإمارات و قطر و البحرين و الكويت و الأردن المسجلة في مؤخرة نسخة الديمقراطية و حقوق الإنسان المخصصة لتدمير المنطقة العربية طبقا لنظام أولويات الأجندة الصهيو ـ أمريكية.
و من عجائب هذه النسخة المخصصة لنا من الديمقراطية أنها تعتمد الهرم المقلوب في قانون النشوء و الارتقاء في تعاملها مع أوضاعنا حيث أن الأنظمة الملكية الوراثية الإقطاعية المتخلفة يمكن لها و بقدرة قادر و في لمح البصر أن تصبح عند الحاجة أنظمة جمهورية ديمقراطية (مع الاحتفاظ بنسختها المتعفنة) تعطي النصائح و التوجيهات في مجال القوانين الدستورية و أنظمة حقوق الإنسان و تمارس شتى الضغوط في هذا المجال كسحب سفرائها و التهديد بالتدخل العسكري إن لم تر أن منظومة حق التعبير و الاختلاف و حقوق الإنسان قد تم احترامها !؟
و في مضمار قانون النشوء و الارتقاء مقلوب الهرم هذا، قد لا نستغرب أن يمسخ الشيخ العرعور ليتحول من مفتي للسلفية التكفيرية إلى مؤسس لحزب ديمقراطي ليبرالي تقدمي يدافع عن حقوق الجنس الثالث لتشريع الممارسات (بأثر رجعي) التي تم طرده بسببها من الجيش السوري في الثمانينات من القرن الماضي. و في هذه الحالة ، سيكون من المؤكد أن سيدة الفوضى الخلاقة و حلفاءها سوف يحولونه من مفتي للفتنة المذهبية الديمقراطية في سوريا إلى مفتي للديمقراطية و حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
عزيزي القارئ، ألا تستغرب حقا و أنت تشاهد التحول الذي طرأ على الحركات الأصولية في ليبيا، أن مجاميعها أصبحت تقاتل نظامها المسلم (على علاته)، تحت مظلة حلف الناتو الصليبي لإقناعنا أن ساركوزي و برلسكوني و ديفيد كامرون يعدون جيوشهم لتأسيس الخلافة الإسلامية في ليبيا !؟
إنه حقا قلب حقيقي لقانون النشوء و الارتقاء: اللهم لا تهلكنا بديمقراطيتنا و لا ديمقراطية غيرنا و لا ديمقراطية السفهاء منا ، يا أرحم الراحمين.