استعادة داعش للبوكمال أثارت موجة من التساؤلات عن حجم هذه المعركة وعن ظروف عودة داعش إليها. المرصد السوري المعارض يعلن من جهته إستعاة السيطرة لداعش على البوكمال، وشاركت في هذا الخبر وسائل الإعلام المعارضة للجيش السوري وحلفائه. ولكن أين هي الحقيقة؟ وكيف استعاد داعش البوكمال في ساعات قليلة؟ وهل استعادها فعلاً؟ وهل تحررت فعلاً؟
إدارة العمليات العسكرية في الشرق السوري طلبت عدم الإجابة في حينها. اليوم مع تحرير جنوب وشرق البوكمال، أي ما يزيد عن نصف المدينة بات الحديث مباحاً.
الإعلان المفاجئ عن تحرير البوكمال في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2017، سبقه إعلان صالح مسلم، أن قوات سوريا الديمقراطية تتجه إلى البوكمال بدعم أميركي.
ويدّل هذا الإعلان أن القوات الأميركية ماضية في مخططها العسكري الرامي لمنع وصول الجيش السوري إلى المعابر الرسمية مع العراق.
وفي هذا الشأن كان لابدّ من تحرّك الجيش السوري وحلفائه بسرعة لقطع الطريق على "قسد" بدعم أميركي. وفُرض عليه سباق مع الزمن يشهد تسليم داعش إلى "قسد" بتنسيق أميركي، بينما يحشد "داعش" إنتحارييه لمهاجمة نقاط الجيش السوري وحلفائه، أملاً بالحد من تقدمهم.
في معركة الشرق السوري يوجد قوتان تحاربان داعش هما الجيش السوري وحلفائه كقوة شرعية سورية، بموازاة قوات "قسد"، وقوات أميركية تفتقد للغطاء الشرعي وتتبع سياسة الأمر الواقع.
وبما أن الجميع أمام سياسة الأمر الواقع، كان لابدّ من فرض أمر واقع يوقف قوات "قسد" المدعومة من القوات الأميركية، ويمنع تقدمها. وقد يكون هو سبب الجيش السوري وحلفائه إعلان تحرير البوكمال.
ولعلّ البيان العسكري في إعلان تحرير المدينة كان تكتيكياً، في إطار مسار حرب استراتيجية بعيدة الأفق. فالجيش السوري لم يكن قد دخل المدينة بعد، بل كان يقف على مشارف البوكمال من جهة الشرق، ساعد على ذلك تقدم الجيش وحلفائه من قوة "الحيدريون العراقية"، بمحاذاة الحدود وسيطرتهم على قرية سويح شرقي البوكمال مباشرة.
في هذا التكتيك العسكري الناجح، باتت المدينة تحت مرمى النار، لكن محاور إقتحام البوكمال لم تكتمل بعد. (الخطة العسكرية تقتضي قطع خطوط إمداد داعش من الشرق والغرب والجنوب وترك المنفذ النهري شمالاً). مع الوصول إلى مشارف البوكمال من جهة الشرق، سارع الجيش لإعلان دخوله المدينة بهدف فرض الأمر الواقع وإعلان البوكمال خطاً أحمراً لمنع وصول "قسد" إليها، مؤكداً في ذلك على كسر الخطوط الحمراء الأميركية بشأن فصل الحدود بين سوريا والعراق.
إعلان الجيش السوري وحلفائه عن تحرير البوكمال، ومن ثم الإنسحاب السريع، وضع القيادة الأميركية أمام تحدٍ كبير مستجد دفعها للعمل إلى استنزاف الجيش السوري وحلفائه في معركة المدينة.
أحد القيادات الميدانية في محور جنوب البوكمال أجاب عن المعركة قائلاً "عزيزي عندما أعلنا تحرير البوكمال كنا في المحطة الثانية، والمحور الشرقي فقط كان قرب المدينة، لكن كان لابدّ من ذلك لمنع تقدم قسد إليها".
وتابع "اليوم نحن على مشارف البوكمال من ثلاث جهات، أجهزة الإتصال تتعرض لتشويش كبير تمنع تواصلنا، والقيادة الأميركية تحاول منع تحليق الطائرات في المنطقة، لكننا بتنا نحاصرها من ثلاث جهات، ويبدو أنها تسعى إلى استنزافنا في هذه المدينة لكننا مصممون على تحريرها بالكامل".
تتقاطع هذه الرؤية مع معلومات تؤكد استلام الجنرال قاسم سليماني إدارة غرفة عمليات حلفاء الجيش من محور المقاومة في معركة البوكمال، ما يعني أن محور المقاومة من الجيش السوري وحلفاؤه أرادوها كسراً لإرادة القيادة الأميركية في خوض المعركة بصعوباتها.
وهنا أيضاً تبدو أن هذه الإرادة مدعومة روسياً، فمنع تحليق الطائرات كسرته موسكو باستخدام القاذفات الإستراتيجية، لتتجنب الاشتباك مع عوامل منع تحليق الطائرات المفروضة أميركياً.
ومن هنا جاء إسم المعركة التي وصفتها غرفة عمليات حلفاء الجيش من محور المقاومة بوصفها "آخر المعارك ضد داعش في سوريا"وبأنها "أم المعارك ضد المخطط الأميركي في سوريا".
فالجيش السوري و حلفاؤه اختبروا هذا التكتيك سابقاً، في تحرير خناصر عام 2016 عندما سيطر عليها داعش وقطع الطريق إلى مدينة حلب، حينها أيضاً تعرضت أجهزة الاتصالات لتشويش كبير أدّى إلى قطع التواصل بين القوات، لكن قيادة المعركة تجاوزت هذه المعضلة في اعتمادها على إدارات منفردة للمجموعات.
عندما إستكمل الجيش حصار البوكمال، بدأت المعركة التي اعتمدت على إدارة قيادة المجموعة للمعركة بشكل منفصل عن المجموعة الأخرى. فبعد عدّة ساعات من بداية المعركة انهار داعش في البوكمال وسيطر الجيش والحلفاء على أكثر من نصف المدينة. والمعلومات تؤكد أن داعش بات محاصراً في بعض الأحياء من المدينة على الرغم من الدعم الأميركي الكامل لداعش.
سرعة إنهيار داعش يحمل في طياته خبرة طويلة اكتسبها محور المقاومة مجتمعاً في حرب تغيب فيها تكنولوجيا الاتصالات المتطورة. ولعل الأهم هو التنسيق العالي بين القوات العاملة على الأرض.
*رضا الباشا - الميادين