الشيخ إدريس العكراوي
بداية العهد الحسني:
وبعد أن فارق الأمير (ع) الدنيا دارت الدائرة على الإمام المجتبى (ع)، فتولّى الخلافة في مناخ قلق غير مستقرّ، وفي ظروف التعقيد والصراع التي برزت وتأزّمت في أواخر حياة أبيه عليّ بن أبي طالب (ع) حيث بدأ حكمه مع جماهير لا تؤمن إيماناً واضحاً كاملاً برساليّة المعركة، ولا تتجاوب دينيّاً وإسلاميّاً مع متطلّبات هذه المعركة، وكانت قد توزّعت في تلك الفترة على أحزاب أربعة، وهي:
1) الحزب الأموي: وهم آل آميّة وشيعتهم، وكان هذا الحزب يمتلك العناصر القويّة والنفوذ الكبير والأتباع الكثيرة، وهؤلاء كلّهم عملوا على نصرة معاوية في أوساط شيعة الحسن (ع)، وكانوا بمثابة جواسيس وعيون على تحرّكات الإمام الحسن (ع).
2) حزب الخوارج: وهم الذين خرجوا على حكم علي بن أبي طالب (ع)، وقد كانوا أكثر أهل الكوفة لجاجة على الحرب.
3) حزب الشكّاكين: وهم الذين تأثّروا بدعوة الخوارج من دون أن يكونوا منهم، فهم المذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ويغلب على طبعهم الانهزام.
4) حزب الحمراء: وهم شرطة زياد وكان طابعهم أنّهم جنود المنتصر وسيوف المتغلّب، وقد بلغ من استفحال أمرهم أن نسبت الكوفة إليهم، فقيل: (كوفة الحمراء)!
وفي قبال هؤلاء جميعاً كان أتباع الإمام الحسن (ع) وشيعته الذين هرعوا إلى مبايعته بكلّ إخلاص بعد وفاة أبيه أمير المؤمنين (ع) مباشرة.
أضف إلى ذلك أنّ الإمام عليّاً (ع) في آخر حياته كان يجهّز الجيش لقتال معاوية إلاّ أنّ المنيّة عاجلته، والإمام الحسن منذ أن تسلّم الحكم بعد استشهاد أبيه مباشرة بدأ من النقطة التي انتهى عندها أبوه (ع) فغدا كأبيه يجهّز الجيوش لقتال معاوية، وهذا ما قوّى موجة الشكّ في رساليّة المعركة التي يخوضها الإمام الحسن (ع) مع معاوية في قلوب المشكّكين والخوارج الذين ما عرفوا جوهر الإسلام حتى أنّ الإيحاء كان لديهم قويّاً بأنّ المعركة هي معركة بيت مع بيت، أمويين مع هاشميين، وهي بالتالي ليست معركة رساليّة تستحقّ أن تسفك فيها الدماء وتزهق فيها الأرواح.
كلّ هذه الأسباب والملابسات وغيرها عقّدت موقف الإمام الحسن (ع) من مسألة الحكم وبات أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما:
الخيار الأوّل: أن يصنع كمعاوية فيغري الزعامات وأصحاب النفوذ كذباً بإعطائهم الأموال ووعدهم بالمناصب لاستمالتهم إلى جانبه بدعوى أنّ الحرب خدعة، وهذا الخيار اقترحه (عبيدالله بن العبّاس) - والي الإمام علي (ع) على البصرة - على الإمام ولكنّ الإمام (ع) رفضه بشدّة وأبى إلاّ أن يلزم الحقّ شرعة ومنهاجاً.
الخيار الثاني: أن لا يصنع كمعاوية فلا يغري أحداً بالباطل، ولا يعد أحداً كذباً بالمناصب، ولا ينتقي ذوي الضمائر الميّتة والقلوب السوداء، وهذا ما اختاره، ولذا استطاع معاوية أن يجمع من النّاس أضعاف ما جمعه الإمام المجتبى (ع)، ونحن لا يهمّنا عدد جيش الإمام (ع) بمقدار ما تهمّنا نفسيّة هذا الجيش، فقد قسّم المؤرّخون جيش الإمام إلى خمسة أقسام، وهي:
1) الشيعة المخلصون: الذين اتّبعوه لأداء واجبهم الديني وانجاز مهمّتهم الإنسانيّة وهم قلّة.
2) الخوارج: وهؤلاء كانوا يريدون قتل الإمام الحسن (ع) ومعاوية بن أبي سفيان؛ لأنّهما يمثّلان خطراً على دينهم ووجودهم، وكانوا يرون معاوية أخطر عليهم من الإمام المجتبى (ع)؛ لأنّ الإمام (ع) يمتلك مبادئ وقيماً فلا يغدر ولا يفجر، ولا يأخذهم بالمكر والخديعة بخلاف معاوية الذي لا يمتلك قيماً ولا مبادئ، وما دامت الحرب ستقع بين الإمام (ع) ومعاوية قرّروا أن يقاتلوا معاوية مع الإمام الحسن (ع)، وكان في مخطّطهم إذا قتلوا معاوية مالوا على الإمام وقتلوه، ولهذا تجدهم يوم يئسوا من قتل معاوية مالوا على الإمام (ع) وطعنوه بخنجر في فخذه ونهبوا رحله وفرّوا هاربين.
3) أصحاب الفتن والمطامع: الذين يبتغون من الحرب مغنماً لدنياهم.
4) الشكّاكون: الذين يزعمون أنّهم لا يعرفون مع مَن يكون الحق، أهو مع الحسن (ع) أم مع معاوية؟
5) أصحاب العصبيّة: الذين اتّبعوا رؤساء القبائل على استنفارهم لهم على حساب القبليّة والنوازع الشخصيّة.
بين العزّة والذلّة:
ونحن إذا تأمّلنا في هذه الظروف جيّداً عرفنا أنّ الحكمة:
ــ لا تقتضي أن يقاتل الإمام ُ (ع) معاويةَ بهذا الجيش المفكّك؛ لأنّ العناصر الخمسة التي كوّنت جيش الإمام الحسن (ع) لا تفي لإنجاز المهمّة التي تجمّعوا من أجلها، حيث أنّ الحرب تريد: الإيمان برسالتها وهدفها، والوحدة والتعاون بين رجالها، والطاعة المطلقة لقيادتها الحكيمة، وهذه الأمور الثلاثة مفقودة أو تكاد.
ولو كان الإمام (ع) يقاتل معاوية بهذا الجيش لكانت الهزيمة حتميّة، وكانت المعركة معركة يائسة بائسة يستشهد فيها هو وأتباعه المخلصين، وتكون في نظر الكثير من المسلمين - الذين ما عرفوا الإمام (ع) بنسبة كافية - بمستوى المعركة التي خاضها (عبدالله بن الزبير)، فيُقتل هو ومَن معه دون أن يحقّق مكسباً حقيقيّاً للإسلام أو يقدّم زخماً جديداً للعمل.
ــ ولا تقتضي أن يستسلم الإمام (ع) لمعاوية؛ لأنّ الاستسلام ذلّ وإهانة، وينمّ عن ضعف في النفس.
بل الحكمة تقتضي أن يترك الإمام (ع) الحرب مع معاوية دون أن يستسلم له، حتى يحافظ على هيبته ومكانته عند خصمه، ويبقى في موطن قوّة وعزّة أمام النّاس، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ الصلح:
ــ فالصلح يجنّبه القتال أوّلاً حتى يحفظ نفسه وأهل بيته وأصحابه وشيعته من القتل.
ــ ويجعله يفرض شروطه ثانياً؛ لأنّ الذي يفرض شروطه - ولو في نظر العرف - هو الطرف الأقوى، ولهذا أنت تجد الحكومات حينما تريد أن تتحاور في شؤونها الداخليّة مع المعارضة مثلاً أو تتفاوض في شؤونها الخارجيّة مع حكومة أخرى فإنّها ترفض أن يُفرض عليها شروط مسبقة لما تلمسه من ذلّ وإهانة في ذلك، وتدعو إلى حوار وتفاوض من دون شروط.
ــ ويعطي النّاس فرصة لأنْ تجرّب حكم معاوية ثالثاً، وتتجرّع شيئاً من ظلمه وجوره فتندم على كلّ لحظة فرّطت فيها في مجاهدة معاوية أو شكّكت فيها في نزاهة أهل البيت (ع) فتتهيّأ نفوسها للثورة عليه وعلى حكم بني أميّة من جديد.
ــ ويعطي معاوية فرصة لأنْ يفضح نفسه رابعاً فيسقط من عيون النّاس، فمعاوية - داهية الشرّ - كان يضفي على نفسه أمام العامّة مسحة دينيّة؛ ليموّه على النّاس أعماله وأفعاله ما دام يحكمهم باسم الدين، فهو لا يرتكب من الأعمال أمامهم ما يرونهم تحدّياً للدين، وإنّما كان يظهر لهم سلوكَ المحافظ على تعاليم الدين، وما لا سبيل إليه إلاّ ارتكابه كان يرتكبه سرّاً، وقد أظهره هذا السّلوك المحافظ عند العامّة بمظهر ديني لما يظهر من سلوكه أمامهم فغدوا - وإلى الآن - لا يذكرونه إلاّ بالترضّي وأوسمة الشّرف فأطلقوا عليه (كاتب الوحي) و (خال المؤمنين) على الرغم من وجود الكثير من الروايات التاريخيّة التي تؤكّد إلحاد هذا الرجل حتّى قال فيه (المغيرة بن شعبة)بأنّه أخبث النّاس وأكفرها.
ونحن نلاحظ في هذا الزمان مَن يدافع عن يزيد ويحمّل الإمام الحسين (ع) الخطأ في ثورته عليه ،مع أنّ يزيد معلنٌ بالفسق والفجور، وهو لا يضفي على نفسه مسحة دينيّة، فكيف سيكون الأمر لو كان الإمام الحسن (ع) يثور على معاوية وهو المحافظ عندهم على الدين بل وكاتب وحيه وخال جميع المؤمنين؟!
إذن الحكمة بلا شكّ ولا ريب كانت تقتضي أن يصالح الإمام (ع) معاوية لا أن يحاربه أو يستسلم له، ولو كان الإمام الحسين (ع) أو أيّ إمام أو حكيم غيره مكان الإمام الحسن (ع) للزم أن يصالح معاوية، وبهذا يتّضح معنى الشقّ الأوّل من جواب الإمام الحسين (ع) لجابر بن عبدالله (رض) بأنّ الإمام الحسن إنّما فعل ما فعل بأمر الله تعالى ورسوله (ص)، وبالتالي لو كان هو (ع)مكانه لفعل فعله وصالح معاوية.
شروط الصلح وبداية الخيانة:
فالإمام الحسن (ع) صالح معاوية؛ لأنّ الحكمة كانت تقتضي أن يصالحه فصالحه وفرض عليه مجموعة من الشروط، منها:
1) أن يعمل معاوية بكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه محمّد (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين.
2) أن يكون الأمر من بعد معاوية إلى الإمام الحسن (ع)، فإن حدث به حادث فلأخيه الحسين (ع)، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.
3) أن يترك سبّ أمير المؤمنين (ع) والدعاء عليه في قنوت الصّلاة، وأن لا يذكره إلاّ بخير.
4) أن لا يبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين (ع) ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة، لا سرّاً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
5) أن يكون النّاس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى: في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يُؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة.
6) أن يكون أصحاب أمير المؤمنين (ع) وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، فلا ينالهم مكروه من جهته.
وبهذا حقّق الإمام (ع) الأمر الأوّل والثاني، فترك الحرب من موطن عزّة وقوّة؛ لأنّه هو الذي فرض شروطه على الخصم لا العكس، ثمّ حكم معاوية المسلمين وحقّق هدفي الإمام (ع) الثالث والرابع، فهو من جانب فضح نفسه إذا أظهر خبث سريرته للنّاس حينما صعد المنبر في النخيلة وقال: "إنّي واللهِ ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإنّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدميّ لا أفي بشيء منها له"[8]، وهو بهذا يعلن للناس أنّ الهدف - كلّ الهدف - من حربه عليهم ليس هو إقامة الدين وأحكامه وإنّما سَفَك دمائهم ويتّم أبنائهم ورمّل نسائهم من أجل أن يكون هو الحاكم عليهم، هو الآمر وهو الناهي لا أكثر، كما أعلن لهم عن مخالفته الصريحة لأحكام الله تعالى وقوانينه حين أعلن لهم خُلْفَه للعهد الذي قطعه على نفسه، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ }(المائدة: 1)، ويقول: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}(الإسراء: 34)، وأوّل شروط الصلح هو (أن يحكم معاوية بكتاب الله وسنة نبيه (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين)، وهذا يعني أن كتاب الله تعالى تحت قدم معاوية، وسنة النبي الأكرم (ص) تحت قدم معاوية، وسيرة الخلفاء الصالحين تحت قدم معاوية، وهو إعلان حرب صريح على الدين وقيمة، إعلان حرب على الصلاح والمصلحين.
معاناة الشيعة:
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي:[روى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب (الأحداث)، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: "أن برئتْ الذّمة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته"، فقامتْ الخطباء في كلّ كُورة، وعلى كلّ منبر، يلعنون عليّاً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدَّ النّاس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة؛ لكثرة مَن بها من شيعة علي (ع)، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيّام علي (ع)، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وأخافهم، وقطّع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبقَ بها معروف منهم}[9].
ويقول:[وشفّع ذلك بنسخة أخرى: "مَن اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره"، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه في العراق ولاسيّما الكوفة، حتّى أنّ الرجل من شيعة عليّ (ع) ليأتيه مَن يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه] إلى أن يقول: [فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي (ع)فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض][10].
وأكّد هذا المعنى جملة من المؤرخين منهم: ابن حجر في (لسان الميزان) وابن الأثير في (الكامل في التاريخ) والذّهبي في (سير أعلام النبلاء).. وغيرهم، كما تؤكّدها روايات أهل البيت (ع) فقد ورد عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال في حديثه عن مظلوميّة أهل البيت (ع) وشيعتهم: "ثمّ لم نزل - أهل البيت - نُسْتَذَلُّ ونُستضام، ونقصى ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضِعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا ما لم نقله وما لم نفعله؛ ليبغّضونا إلى الناس، وكان عُظْمُ ذلك وكُبره زمن معاوية بعد موت الحسن (ع)، فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقطّعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان مَن يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجِن أو نُهِبَ ماله أو هُدِمتْ داره، ثمَّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيدالله بن زياد قاتل الحسين (ع)"[11].
وبهذا بدأت العقول تصحو شيئاً فشيئاً حتى جاء العراقيّون إلى الإمام الحسن (ع)يطلبون منه أن يثور من جديد على معاوية ولكنّه رفض؛ لأنّه (ع) كان يريد أن يهيّأهم للمستقبل وللثورة الكبرى ولا زالوا يوم ذاك دون المستوى المطلوب من الوعي بالثورة.
ولمّا قضى الحسن (ع) نحبه أكمل الإمام الحسين (ع) مشواره، وغدا يهيّأ المجتمع للثورة الكبرى على الظلم وأنظمته ويعبّأهم لها بدل أن يحملهم على القيام بها ما داموا لم يبلغوا المستوى المطلوب بعد، وقد كتب الإمام الحسين (ع) إلى أهل العراق عندما طلبوا منه أن يجيبهم إلى الثورة على معاوية: "الصقوا رحمكم الله بالأرض واكمنوا في البيوت واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً [12]؛وذلك لأنّ الأمّة الإسلاميّة لم تكن قد بلغت المستوى المطلوب من الوعي بالثورة بعد.
فلمّا اختلفت الظروف، وتهيّأت النفوس لقبول الثورة على النظام الأمويّ الجائر نهض الحسين (ع) بثورته المباركة، ولو كان الإمام الحسن (ع) موجوداً في ذلك الوقت لكان هو قائد الثورة المباركة ولكنّ الموت ما أمهله (سلام الله عليه)، وهذا هو معنى الشقّ الثاني من جواب الإمام الحسين (ع) لجابر بن عبدالله (رض) حين قال له: "وأنا أيضاً أفعل بأمر الله ورسوله"، وعليه فلو كان الإمام المجتبى (ع) مكان الإمام الحسين (ع) لفعل فعله وصنع صنيعه وثار على يزيد ولم يصالحه.
الهوامش :
[8] الإرشاد، للمفيد: ج2، باب: [ذكر الإمام بعد أمير المؤمنين (ع)...]، خذلان القوم للإمام الحسن (ع) في الحرب، ص14.
[9] شرح نهج البلاغة، للمعتزلي: م6، ج11، في شرح الخطبة: [203- ومن كلام له (ع) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر]، تحت عنوان: [آل البيت (ع) وبعض ما نالهم من الأذى]، ص32.
[10] نفس المصدر: ص33.
[11] نفس المصدر: ص31.
[12] الأخبار الطِوال، للدّينوري: تحت عنوان: [الصلح بين الحسن ومعاوية]، ص224.