اتذكر في عام 2005 عندما دون العراقيون دستورهم الجديد، كيف كان النواب يؤكدون على رفض تسليم مناصب سيادية مهمة في الدولة الى اشخاص يحملون جنسية اجنبية الى جانب جنسيتهم العراقية، رغم وجود مئات الالاف من العراقيين الذين تركوا العراق هربا من ظلم الطاغية او اُخرجوا منه بالقوة، ومن حملة الشهادات العليا ومن اصحاب الكفاءات والتاريخ النضالي الطويل.
الدستور العراقي لم يغلق كل الابواب امام هؤلاء الاشخاص لتسلم مناصب سيادية ورفيعة بالدولة، فقد فتح الابواب على مصراعيه لهم للمشاركة في مسؤولية ادارة البلاد، ولكن شريطة التخلي عن الجنسية الثانية.
يرى احد القوانين ان “قسم الولاء” للدولة الأجنبية التي منحت جنسيتها للشخص الاجنبي، يدفع الشخص الى ان يتنازل عن الكثير من الأمور، واستشهد بنص القسم الذي يؤديه من يطلب الحصول على الجنسية الأمريكية، وهذا النص هو كالاتي :”أني أعلن و تحت القسم بأني و بصورة مطلقة و تامة أتبرأ و أتخلى عن كل ولاء أو إخلاص إلى أي أمير أو ملك أو حاكم أو دولة أو أي جهة أخرى ذات سيادة كنت حتى ألان أحد رعاياها أو مواطنيها و أن أدعم و أدافع عن الدستور و قوانين الولايات المتحدة الأمريكية ضد جميع أعدائها من المحليين و الأجانب و أن أحمل الإخلاص الحقيقي و الولاء لذلك الدستور و تلك القوانين و أن أحمل السلاح بأسم الولايات المتحدة الأمريكية عندما ذلك يكون مطلوباً بحكم القانون و أن أودي الأعمال ذات الأهمية الوطنية وتحت توجيه الجهات المدنية عندما يكون ذلك مطلوباً بحكم القانون و أني اتخذت هذا الالتزام بكامل حريتي و بدون أي ضغوط نفسية أو لأية أغراض مضلله و بإقرار كل ما ورد على ما ورد”.
هذه كانت مقدمة للدخول الى موضوع استقالة رئيس الوزراء اللبناني السعودي الفرنسي سعد الحريري، فالجنسيات التي يحملها الرجل زادت من تعقيد ازمة استقالته المفاجئة خارج لبنان وفي السعوية تحديدا.
المعروف ان سعد الحريري هو ابن رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق، من زوجته الأولى العراقية نضال بستاني، ولد في السعودية حيث كان والده رفيق الحريري يعمل، وقد حصل والده والعائلة على الجنسية السعودية في عام 1978 بعد أن هاجروا إلى هناك في نهاية ستينيات القرن العشرين، ويحمل إلى جانب جنسيته اللبنانية، الجنسيتين السعودية والفرنسية.
استقالة الحريري، من حيث الشكل والتوقيت، دفعت بمراقبين إلى التساؤل عن حقيقة ما جرى، لا سيما تزامنها مع القرارات الملكية السعودية، التي ساقت عددا من الأمراء وعشرات المسؤولين السعوديين إلى الاعتقال باتهامات فساد.
يقول المغرد الشهير “مجتهد” إن من أهم الأسباب التي جعلت الحريري يتنحى من خلال بوابة الرياض هو “استدراجه لجمعه مع الأمراء، ورجال الأعمال الموقوفين لهدف ابتزازه واستعادة الأموال التي لديه في الخارج وليس مرتبطا بلبنان، كونه مواطنا سعوديا يحمل هذه الجنسية”.
الحريري كان يخضع للقانون السعودي، لانه ببساطة مواطنا سعوديا، حتى وان كان في بلاده رئيسا للوزراء، لذلك طالما تعامل مع السعودية خارج نطاق البرتوكول الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول، وهو ما يفسر ذهابه الى السعودية مرتين في اقل من خمسة ايام خلال الاسبوع الماضي، دون اي مواعيد سابقة او تشريفات، سوى انه اُستدعي من جانب ولي العهد السعودي.
في المقابل لم تحاول السعودية ان تحفظ للحريري مكانته كرئيس وزراء للبنان، فتعاملت معه، لاسيما في الزيارة الاخيرة، بنفس المعاملة التي تعاملت بها مع الامراء والوزراء ورجال الاعمال السعوديين، المتهمين بالفساد، فالسعودية لم تعتد على كرامة لبنان من خلال الاعتداء على رئيس وزراء لبنان، وكل ما هناك انها طبقت قوانيها على مواطن سعودي.
ازمة استقالة الحريري اثارت على هامشها قضية في غاية الاهمية وهي قضية المسؤولين العرب الذي يحملون جنسية اخرى، فمثل هذه الجنسية ليست كما يعتقد البعض انها وثيقة لا تستحق ان يثار حولها كل ذلك الضجيج، كما اثاره العراقيون لدى كتابتهم الدستور.
- شفقنا
- جمال كامل
24