يجب أن لا تتم دراسة مكانة المرأة في المؤسسة العقائدية والحقوقية للشيعة ومكانتها الاجتماعية في المجتمعات الشيعية سواء كان في مسيرتها التاريخية أووضعها الراهن إلا في الإطار العام لهذه المكانة في المنظومة الفكرية والحقوقية والدينية للدين الإسلامي ككل.
مع هذا هناك تمايزات وفروق واضحة في بعض من التفاصيل بين ما يسمى المنظومة الفكرية والدينية الشيعية وما كان ويكون سائرا اجتماعيا وعمليا في المجتمعات الشيعية مع سابقتها الإسلامية بشكل عام. ليست هذه الفروقات والتمايزات معتمدة ومبنية على القضايا اللاهوتية والحقوقية فقط ؛ بل كانت السوابق التاريخية والاجتماعية المختلفة مؤثرة جدا في هذا المجال .
خاصة إذا أخذنا هذه النقطة بعين الاعتبار أن الشيعة على الأقل منذ مئات السنين متمركزون بشكل كبير في إيران وعلى الأساس الثقافة والحضارة الايرانتين (حتى سوابقها قبل الإسلامية) بشكل عام كانت مؤثرة جدا في التشيع ومفاهيم ومعتقداته العقائدية والحقوقية وتداعياته الاجتماعية السياسية؛ بينما يكون السواد الأعظم من المسلمين أي المذاهب والمدارس العقائدية المنتمية إلى أهل السنة والجماعة مقيمين غالبا في البلدان التي يتحدث سكانها باللغات العربية والتركية أوالبلدان التي تقع في الشرق الأدنى بماليزيا واندونيسيا ومن الطبيعي أن قضية مهمة كقضية المرأة ومكانتها الاجتماعية في المجتمع من شأنها أن تتأثر مباشرة بالعوامل البيئية والاجتماعية والسياسية والمعتقدات والتقاليد المحلية.
أحد من العوامل المؤثرة في هذا المجال هو حصة المعتقدات الدينية والوطنية الشعبية والأدب الشعبي والمعارف المجتمعية لكل قوم وشعب ومنها الأدب الملحمي الوطني سواء كان نثرا أونظما أوالقصص الشعبية التي كان ويكون لها تأثير مباشر في السلوكيات وتكوين التقاليد على مر التاريخ.
لو بدأنا من الثقافة الدينية للمسلمين ونفس نصهم المقدس أي القرآن، لنؤكد على هذه النقطة دون أي ترديد أن المرأة من منظر القرآن مساوية ومماثلة مع الرجل على الأقل في علاقتها مع الله والتكاليف التي على عاتقها أمام الله. ليست حصة المرأة أقل من حصة الرجل في مجال التحلي بالإيمان بالله وطاعته أوممارسة بعض من الطقوس الدينية كالصلاة .
إن المرأة قد خُلقت على فطرة الهية كالرجل وفق ما تم تأكيده في القرآن وإذا تنخدع حوّاء أمام إبليس كأولى إمرأة تكون في هذا المجال مساوية مع آدم أول بشر وليست أكثر منه لا حصة لها في انخداع زوجها آدم فالمرأة ليست رمزا للخداع أو” الذنب الأول” أو ليست لها حصة أكثر.
إجماليا الصورة التي تعطيها النصوص الرئيسية الدينية في الإسلام عن المرأة هي صورة من الطهارة والنقاوة للمرأة يمكنها أن تنخدع للإبليس أو ترتكب المعصية متماثلة بالرجل وليس أكثر منه . فيما يتعلق بالطقوس الدينية البحتة يتمتع كل من المرأة والرجل بتكاليف متساوية. هذا الأمر يختلف في مجال الحقوق الاجتماعية ومن وجهة نظر القرآن والتعاليم الإسلامية لا يحظي المرأة والرجل بحقوق وتكاليف متماثلة تامة .
لكن هذه القضية تختلف من وجهة نظر كل من الشيعة والسنة نظرا للفروقات الموجودة في مجال التفسير والقضايا الفقهية والحقوقية.
قضية المرأة في التشيع تحظي بأبعاد مختلفة : لا تستمر سلالة النبي (ص) إلا عبر بنته فاطمة. هي ليست بنت الرسول فقط بل من وجهة نظر الشيعة هي أم أئمة الشيعة وناقلة تراث وسلالة النبي (ص) إلى أئمة الشيعة وكل ذريات النبي (ص) في الأجيال القادمة .
تتضاعف أهمية مكانة فاطمة (س) كزوجة علي بن أبي طالب (ع) صهر وابن عم النبي (ص) والإمام الأول للشيعة . ترسم في الروايات الشيعية احترام بالغ من جانب الرسول (ص) تجاه بنته وهذا الأمر لعب دورا بارزا في مكانة المرأة في السنة والذاكرة الجماعية الشيعة .
تقدم فاطمة (س) في بعض الروايات الشيعية كناقلة نور النبي وروحه إلى ذرياته من الأئمة. هي تعتبر مفسرة للقرآن ويعتبر علمها متساويا مع علم الأئمة وتحظي بعلم رباني . ففاطمة كإمرأة لا مانع لها أن تكون في مكانة الأئمة الإلهية للشيعة ؛ الأئمة الذين لم تغمرهم الطهارة والنقاوة الإلهيتين والنور الأزلي فقط بل يُقدّمون كمعلمين للأمة الإسلامية وزعماء الهيين.
تكون فاطمة (س) في المجتمعات الشيعية حتى أيامنا هذه قدوة ؛ القدوة التي لا تُقدّم للنساء الشيعيات في مجال كسب العلم فقط بل تحظي مكانتها بالاهتمام كشخصية قامت بدور اجتماعي بعد وفاة النبي (ص) كمدافعة عن أحقية زوجها علي بن أبي طالب (ع) للخلافة المتنازع عليها .
كما تعرّف فاطمة كشخصية قام علي بن أبي طالب بكتابة تعاليمها في كتاب كي يكون دليلا لأئمة الشيعة . لايعطي اهل السنة كمدرسة متمايزة عن التشيع في الإسلام، هذه المكانة لأي إمرأة وهذا الأمر قد أثر على فكر السنة وسلوكها على مر التاريخ فيما يتعلق بقضية المرأة.
صحيح أن عائشة زوجة النبي (ص) وبنت الخليفة الأول تحظي بإعجاب بالغ بين أهل السنة على عكس الشيعة ولها مكانة مهمة بين أبناء هذا المذهب ويعتبرونها راوية ومصدرا للشريعة والفقه لكن مكانتها لن تبلغ المكانة التي بلغتها فاطمة. كما لزينب بنت فاطمة مكانة مهمة للغاية في الشيعة. كانت حاضرة مع حسين بن علي (ع) بحادثة كربلاء ولها دور كبير في التفكر الملحمي الشيعي والمعتقدات المذهبية الشيعية.
يحظي مدفنها بدمشق باحترام بالغ من جانب الشيعة. بعد مأساة مقتل شقيقها حسين بن علي الإمام الثالث للشيعة على يد الدولة الأموية كان لزينب دور هام في مجال الحفاظ على آل النبي وتبليغ الرسالة السياسية والدينية لنهضة أخيها .
تحظي عدة نساء أخرى بين آل النبي باهتمام بين الشيعة ويُمثّلن مكانة المرأة وأهميتها في الفكر الشيعي. من بين هؤلاء ينبغي أن نشير إلى فاطمة المعصومة بنت الإمام السابع موسى بن جعفر التي وفّر مدفنها بقم سببا لإنشاء هذه المدينة كأحد أهم المراكز الرئيسية للتشيع على مر التاريخ والمركزية الحالية للمرجعية الشيعية .
حتى في حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشكل قوانين الشريعة أساسا للدستور، هذه الصورة يعني الصورة التي ترسخت في السنة الشيعية عن فاطمة وزينب رغم التأكيد الذي يتم على محافظة على الحجاب كقانون ملزم التنفيذ لجميع النساء وكقانون للشريعة أدى إلى أن يتم التأكيد على الدور الاجتماعي والسياسي للنساء منذ بداية الثورة الإسلامية ويفسر هذا الأمر في إطار التأسي على فاطمة وزينب (عليهما السلام) .
هذا الأمر مهّد الطريق أمام تواجد النساء في المجتمع الإيراني كبلاد ذات غالبية شيعية. هذا التواجد لم يكن محصورا فقط في المجالات السياسية والاجتماعية فقط بل كان في الجامعات والمراكز التعليمية أيضا لحد ما مشاركة النساء في هذه الشؤون كميا غير قابل للمقارنة مع معظم البلدان الإسلامية بل وحتى مع إبان الحكومة البهلوية الإيرانية التي كان يتم تأكيد آنذاك على حرية النساء كإنجاز للتجدد كثيرا . هذا الأمر كان له تداعياته الخاصة في الإيران الشيعية مقارنة بمعظم البلدان الإسلامية الأخرى غير الشيعية . كانت للنساء خلال السنوات 35 الماضية مطالبات متزايدة .
سجّل معدل التعليم العام بين المجتمع النسائي نموا مطردا وقد وفر معه المجال لتعرف النساء على الحداثة والعناصر المختلفة للتجدد . اليوم قد تحولت مطالبات النساء نفسها إلى مطالبة مدنية. تواجد النساء في مجال الانتخابات والمناصب الحكومية والمؤسسات المنتخبة كمجلس الشورى الإسلامي ومجالس البلديات وأيضا مشاركة النساء في مناصب الوزارة وأعضاء مجلس الوزراء للحكومات المختلفة بعض من نماذج يمكن أن يشار إليها في هذا المجال . مع هذا لا ينحصر تداعيات هذا التصور إلى المرأة بهذه الأمور
هناك مشاركة فعالة للنساء في المطبوعات ووسائل الإعلام وتسجل المطالبات ذات محورية النساء نموا مطردا كالماضي خاصة عبر الجمعيات غير الحكومية ووسائل الإعلام . كل هذه النشاطات كانت سببا لتلطيف كثير من القوانين تجاه النساء ؛ في قضايا كالزواج والطلاق وقضية الإرث والقضايا الجزائية الخاصة للنساء وسائر القضايا التي كان يحكم نظام سلطة الأب أحيانا في تفسير الشريعة بين الرجل والمرأة.
أحد الأسباب المؤثرة لتغيير النظرات إزاء النساء في الأنظمة الحقوقية هي أن كثيرا من النساء في المجتمع الإيراني بعد الثورة في إطار التأسي بمكانة فاطمة وزينب في الفكر الشيعي أقبلن على الدراسات الدينية بالمراكز التعليمية في مدن قم وطهران والمدن الأخرى.
سنة القيام بالدراسات الدينية من جانب السيدات بين المسلمين لها سابق قديم جدا لكن هذا الأمر تبلور في التشيع كنموذج للتأسي بمكانة فاطمة كمعلمة أيضا. كانت نساء عديدة ومازلن يحاولن في إيران في مجال حل كثير من المشاكل الحقوقية المتعلقة بالنساء في القوانين الرسمية لحكومة الجمهورية الإسلامية التي معتمدة على الشريعة. في هذا المجال التجدد الديني الذي سجل نموا زائدا في السنوات الأخيرة يتطرق إلى قضية المرأة كمطالبة مهمة للتغيير في الأنظمة الفقهية.
لهذا قضية المرأة بحد ذاتها أصبحت إحدى القضايا التي يجب أن تدارس فيها مرة أخرى في المصادر الإسلامية وتقدم لها تفسير جديد يتماشى مع حقوق الإنسان. إحدى مشاكل الفقه الإسلامي هوالتأثر بالأنظمة الديموقراطية التي بدورها كانت متأثرة بالعادات الاجتماعية المختلفة على مر التاريخ الإسلامي.
حاليا تقديم تفسير جديد عن حقوق النساء وكثير من القضايا المتعلقة بالمرأة أيضا قد أصبح بحد ذاته تحديا مهما أمام المطالبين بالتجدد في الدين؛ خاصة يبدوأن النزعات السلفية والتقليدية الإسلامية ركزت معظم ضغوطها على فرض أفكارها بشأن قضية المرأة في المجتمعات الإسلامية.
هناك امتياز ذاتي للفكر الشيعي لأنه يرى أن الاجتهاد والتجديد في الفتاوى الشرعية أمر مستمر ومتواصل يجب على الفقهاء أن يواصلوه في كل العصور ولأنه يناهض السلفية مبدئيا التي نمت بشكل متزايد مع الأسف في البلاد الإسلامية السنية .
هذا الامتياز الذي يحظي به الفكر الشيعي يوفر مجالا لمراجعة مكانة المرأة وحقوق السيدات في الفقه الإسلامي. بينما بين فقهاء الشيعة منهم يواجهون هذه القضية بالتحفظ لكن كثيرين منهم أيضا تطرقوا إلى قضية المرأة كتحد مهم في تفسير الشريعة وتحديثها لأجل الحفاظ على حقوق النساء وتغيير القوانين الشرعية الخاصة بالنساء .
كان مرتضى مطهري كأحد مفكري الجمهورية الإسلامية يكرس قسما من نشاطاته الدينية لقضية المرأة ومنها قضية الحجاب الذي كان للمطهري آراء جديدة فيها .
في قضية إرث النساء كما نعلم هي إحدى حالات عدم المساواة بين النساء والرجال في الشريعة الإسلامية. بذلت جهود في السنوات الأخيرة في إيران لرفع القيود الحقوقية .
لهذه القضية جذور في التعاليم الأولية الشيعية أيضا . نظرا لمكانة فاطمة في نقل تراث أبيها سيدنا محمد (ص) بعض من قوانين الإرث خلافا للفقه السني الذي أكثر انحيازا للرجال بالنسبة للفقه الشيعي إذن في قضية الإرث كفة الميزان منحازة للنساء إلى حد ما . يرى الفقه الشيعي أن أحد امتيازاته أمام الفقه السني في اعتقاده أن الاجتهاد الحديث والجديد ممكن في الفقه .
لويريد فقهاء الشيعة تنفيذ رؤيتهم هذه في قضية المرأة في أي مكان هناك حالات كثيرة بعد في الفقه الإسلامي في مجال قضية المرأة تحتاج إلى مراجعة ومدراسة جديدة ؛ الضرورة التي تعتبر أحد محكات رئيسية وتحديات أساسية لتقابل هاتين الفكرتين أحدهما القراءة التجددية عن الإسلام التي يعوزها المسلمون أكثر من أي وقت لمواجهة التطرف ومن جانب آخر القراءة الأصولية والرجعية عن الإسلام.
الدكتور حسن أنصاري
المصدر: الاجتهاد