تفريغ الدين

الجمعة 10 نوفمبر 2017 - 14:26 بتوقيت مكة
تفريغ الدين

بالأمس فُرِّغ الدين من قيَمه بالالتفاف حول قشوره، فكان معسكر يزيد يحوي مصلِّين وقرّاء ورواة حديث، كما كان يعّج بالمسكرات والمجون، وقد شهر سيفًا على “حسين” الصلاة والقيم والمبادئ والإنسانية قبل أن يُشهره على الحسين حفيد النبي الاعظم “ص”.

 إيمان الحبيشي*

بالأمس فُرِّغ الدين من قيَمه بالالتفاف حول قشوره، فكان معسكر يزيد يحوي مصلِّين وقرّاء ورواة حديث، كما كان يعّج بالمسكرات والمجون، وقد شهر سيفًا على “حسين” الصلاة والقيم والمبادئ والإنسانية قبل أن يُشهره على الحسين حفيد النبي الاعظم “ص”.

لم يكن ذلك التفريغ مجرد تدرُّجٍ طبيعي نتيجة استشهاد الرسول الأعظم وإبعاد الإمام علي عليهما السلام من مسؤوليته الإلهية، وكذلك عزل الأئمة من ولده وملاحقتهم والتضييق على مهمتهم في تعليم المسلمين للإسلام المحمدي الأصيل “فحسب”، بل كانت خطّة محكمة تزعّمها بنو أمية بعد أن هُيئت لهم القدرة على الاستحواذ على حكم الدولة الإسلامية “كملوك وساسة”.

خطة آتت أُكُلَها بشكل واضح اليوم، مع ارتباط الإسلام بحركات دموية متطرفة فارغة من الفكر الإسلامي النقي متمسّكة ظاهريًا بالعبادات الإسلامية وحرفيًا ببعض العقوبات، يمارسونها ضد من يقف بوجههم أو حتى لمجرد إسباغ الهوية الدينية على أنفسهم.

اليوم بل، قبل اليوم وبجهد الأئمة عليهم السلام، لازال للإسلام المحمدي وجود، ولازال هناك من يسعى ويعمل لينشر فكرهم الإسلامي النقي عبر مواجهة الفكر الأموي بالفكر المحمدي، وقد تكون راية الامام الحسين إحدى أقوى الرايات التي وضّحت الفرق ما بين فكر محمد وآل محمد وفكر بني أمية، إلا أننا وفي محاولة التصحيح ونتيجة للانفتاح ما بين الشرق والغرب، بل نتيجة الاستعمار العسكري والغزو الثقافي والاجتماعي من الشرق والغرب، صرنا نحاول محاكاة نهضة أوروبا عبر إسقاط محاكم تفتيشهم وتسلط كنيستهم على المجتمع والأفراد من أجل مصالح طبقية ظالمة على واقع إسلامي شوهه ملوك ارتقوا العرش بسفك الدماء ولا ناقة للدين بارتقائهم ولا جمل، فصارت الدعاوى تعلن الرغبة في الالتحاق بركب الإنسانية بقيمها الجميلة المتمثلة في حرية التفكير والمعتقد واحترام الآخر وقبول التعدد، لكن ليس عبر تنقيح وتصحيح ما دخل على الفكر الإسلامي النقي، بل عبر محاولة رفض كل العبادات والمناداة بممارسات سلوكية تعبر ظاهريًا عن حالة من القيم التي نفتقدها داخل مجتمعاتنا، وكأن التعارض حصل ما بين عبادات كالصلاة والحجاب، وما بين تلك القيم التي كان الإسلام هو الدين الأكثر شمولية في الدعوة لتلك القيم باعتدال حقيقي واتزان منقطع النظير متوافق مع طبيعة الإنسان والمجتمعات.

اليوم صارت عبارات من قبيل “رفع عثرة من طريق انسان أفضل من الصلاة”!! ولا أدري حقًا ما الداعي لتلك المفاضلة ومن أين أتت وكيف تسربت ما بين أدبياتنا بسلاسة!!

اليوم مطلوب منك أن تدعم حرية التعبير، فتقمع المصلين عبر تقريعهم الدائم واتهامهم بأن صلاتهم ليست ذات أهمية، وحصر كمِّ الأخلاق الإنسانية في المعاملات فحسب!!!

لا أدري ما هو مبنى التصادم بين أن يكون الإنسان مصليًا وبين أن يبعد الأذى عن طريق المسلمين؟

وقد قال تعالى “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”!!

بل ما مبنى التصادم بين أن تكون المرأة ذات حجاب تمتاز بالعفة!! ليقال أن الأفضل من لبس الحجاب أخلاق من خلعته!!

هناك حالة من التكامل بيّنها الإسلام ما بين العقيدة السليمة والسلوكيات الإنسانية، ومتى ما عرف الإنسان ربه فعبده وأخلص لقيمه كان ذلك الإنسان صاحب خلق رفيع، ومتى ما حمل بصدره عقيدة فاسدة أو حتى متى ما كان جاهلًا بعقيدته فلا بد أن تكون سلوكياته نابعة من الجهل والمعرفة المشوهة التي يمتلكها.

من أجل التصحيح لسنا مضطرين للتمسك بجلابيب العبادات كحركات خاوية من القيم، ولسنا مضطرين للتمسك بقيم سلوكية جميلة مع إنكار حق الله في عبادته، وذلك أصلًا لما لتلك العبادات من دور في تهذيب النفس البشرية، كل ما نحتاجه هو أن نتمسك بعبادات سليمة وقيم إسلامية حقيقية، تلك العبادات والقيم التي تميز بها أهل البيت عليهم السلام من نبي الله محمد حتى قائم آل محمد.

*كاتبة و ناشطة حقوقية بحرينية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 10 نوفمبر 2017 - 14:21 بتوقيت مكة