لكن أبرز التطورات التي جرت ليل امس، الجلبة التي حلت على بيت الوسط، اثر تواتر معلومات تبيّن أن مصدرها سيدة قريبة جداً من اللواء أشرف ريفي (تسكن في نفس المبنى الذي يقطنه في الأشرفية)، تضمنت تلقي شخصيات لبنانية، من بينها ريفي، معلومة مصدرها السعودية تقول ان ولي العهد محمد بن سلمان قرر استدعاء بهاء الحريري الى الرياض، وابلاغه قرار المملكة مبايعته زعيما لتيار «المستقبل».
وعلمت «الاخبار» انه تبيّن، في وقت لاحق، ان السفير السعودي المعيّن حديثاً في بيروت، وليد اليعقوبي، أجرى اتصالات بأفراد من العائلة الكبرى للرئيس رفيق الحريري، شملت زوجته السيدة نازك، والنائبة بهية الحريري وولدها احمد، وأبلغتهم رسالة عاجلة مفادها أن القرار اتخذ بتولية بهاء الزعامة، وان عليهم الحضور الى السعودية لمبايعته، الى جانب سعد الذي وافق على الامر مقابل اطلاق سراحه، على ان ينتقل للعيش في اوروبا ويعتزل العمل السياسي. علماً ان المصادر توقفت عند استثناء نادر الحريري من الدعوة، مشيرة الى تزايد الانتقادات السعودية له.
وتشير المعلومات الى ان «الأمر السامي» تضمن ان يحضر الحريري الى بيروت، ويتوجه الى القصر الجمهوري لإعلان الاستقالة رسميا وتبني مضمون البيان الذي تلاه في الرياض، ومن ثم المغادرة، بعد إعلان «بيعته» لشقيقه الأكبر.
وبحسب المعلومات، فان افراد آل الحريري الموجودين في بيروت قرروا، بعد التشاور في ما بينهم، التريث في الاجابة، واطلاق أوسع حملة اتصالات تشمل مصر والاردن والمغرب والسلطة الفلسطينية والرئاسة الفرنسية وشخصيات أميركية بهدف الضغط على الرياض لاطلاق سراح الحريري، والتحذير من خطورة المشروع الذي يسير فيه ولي العهد السعودي.
وفيما ابلغت نازك الحريري متصلين بها «ان الوقت ليس للكلام وان شاء الله خيراً»، أقفل بهاء الحريري الموجود في الرياض هاتفه، بعدما كان اجاب على متصل به من بيروت بأنه «لا يعرف ما الذي يجري وغير معني بأي نقاش الآن».
جرى ذلك، فيما كان فريق اعلامي يعمل مع الوزير السعودي ثامر السبهان، يوزع امس معلومات مفادها ان الحريري في وضع جيد، وانه سيعود الى بيروت قريباً، مع التأكيد على خطة سياسية جديدة سيقودها فريق 14 آذار، وأن البطريرك الماروني بشارة الراعي سيكون له دور مركزي لمحاصرة اي محاولة من جانب الرئيس ميشال عون لابقاء الامور على ما كانت عليه. الامر الذي اثار استياء قيادات لبنانية بارزة، من بينها النائب وليد جنبلاط. إذ ترحّم الأخير على النائب سمير فرنجية في معرض نقد غير مباشر للنائب السابق فارس سعيد الذي يتولى التنسيق بين الرياض وبكركي، قبل ان يعود جنبلاط ليلا ليعلن ان حكومة الوفاق الوطني القائمة حاليا هي الافضل للبنان.
أما في ما يتعلق بوضع الحريري في السعودية، فان تعديلات طرأت على ظروف اقامته بعد السماح له بمغادرة مجمع «ريتز كارلتون» والعودة الى منزله، إذ خفّفت الاجراءات الامنية حول المنزل، وسُمح له باستقبال افراد من عائلة زوجته. وتردد أن عائلة العظم (اهل زوجته) سيدعون الى عشاء عائلي في حضوره، على ان توزّع صور من اللقاء في سابقة لم يعتد عليها آل العظم اصلا.
مع ذلك، فان من بقي مع الحريري من مرافقين امنيين ومدنيين ظلوا، حتى امس، يخضعون للشروط السابقة نفسها. وتبين ان الحريري لم يتحدث هاتفياً منذ السبت الماضي الا مرات قليلة. أولها مع الرئيس ميشال عون عند ابلاغه قرار الاستقالة، وقد أبلغ عون مقربين ان «الحريري كان يتحدث بصوت مخنوق وكانت المكالمة سريعة للغاية»، علما ان الاتصال جرى في حضور السبهان. اما الاتصال الثاني فكان مع عمته بهية الحريري التي ابلغها انه بخير متمنياً عليها عدم التطرق الى مواضيع سياسية. ثم تحدث مع مدير مكتبه نادر وأبلغه بأن لا ضرورة لمجيئه الى الرياض. اما بقية التواصل فقد ظل محصوراً بالمراسلات المكتوبة عبر تطبيقات هاتفية. مع العلم ان الحريري نفسه طلب من الموجودين معه عدم محاولة خرق أوامر الامن السعودي.
هذه الوقائع، أكدها مرافق الحريري محمد دياب لمسؤولين بارزين في بيت الوسط. وأضاف عليها روايته لليلة الجمعة، حيث انتظر الحريري ومن معه الى ما بعد منتصف الليل لعقد اجتماع في القصر الملكي. وأوضح أن وفداً أمنياً طلب في الصباح التالي من الحريري مرافقته الى مجمع الريتز، وبعدها حصل الفصل التام، وبدأت الاجراءات الرقابية التي شملت قطع الهاتف الثابت ومصادرة الهواتف الخلوية، بما في ذلك ساعة اليد الذكية التي يستخدمها الحريري، والتي ظهر في بيان الاستقالة انه جُرّد منها.
في هذه الاثناء، كانت السعودية منشغلة في الرد على قرار عون عدم قبول الاستقالة وترك الامور على حالها حتى عودة رئيس الحكومة. وتبحث الرياض قيام الحريري بزيارة خاطفة الى بيروت لاعلان استقالته رسميا والسفر مباشرة من دون عقد اي اجتماعات اخرى بذريعة التهديدات الامنية. وقال مصدر معني ان السعوديين ربما لن يبلغوا احداً بموعد قدوم الحريري، وانه سينتقل فورا الى القصر الجمهوري حيث يتم ابلاغ المراسم هناك وهو في طريقه الى بعبدا، مشيراً الى ان السعودية تريد إبعاد الحريري عن اي اتصال بفريقه او بقيادات لبنانية اخرى.
اما توتر فريق الحريري في بيروت، فيعود، اولا، الى امتناع الرياض عن قبول اي وساطة، وهو امر واجهته عائلة الوليد بن طلال من آل رياض الصلح في بيروت، خصوصا ان وساطة خاصة اجراها الملك المغربي محمد السادس مع السعودية تتعلق بالوليد انتهت الى الفشل، مع جواب سعودي رسمي بأن قضية الوليد «شأن سعودي داخلي». والجواب نفسه سمعه الجانب الفرنسي في محاولته الحصول على معلومات عن بعض الامراء الموقوفين وحتى عن الحريري نفسه.
وتفيد المعلومات بأن محمد بن سلمان يصر على انجاز الملف المالي المتعلق بقراره استعادة كل الاموال التي اخذت من الحكومة السعودية باسم مشاريع وصفقات يقول انها تمت خلافا للقانون. وقد تأكد الجميع امس ان مشكلة الحريري الثانية في السعودية (غير تلك السياسية)، تتعلق بملفات تعود إلى فترة حكم الملك عبدالله، خصوصا عند مرضه الشديد وتولي رئيس ديوانه خالد التويجري ادارة الملفات. اذ انه مع انكشاف ازمة «سعودي اوجيه» توجه الحريري الى التويجري، وهو صديق ايضا لوالده الراحل رفيق الحريري، طالبا المساعدة. وبحسب شكوك ادارة ابن سلمان، حصل الحريري من التويجري على شيكين بقيمة تسعة مليارات دولار اميركي حُولت الى حسابات للحريري في فرنسا. وتفاقمت الأزمة مع استمرار أزمة «سعودي أوجيه»، وبعدما تبيّن أن الحريري توجه الى الامارات العربية المتحدة طالبا دعما على شكل دين من ولي العهد محمد بن زايد. ولم يتمكن الحريري من سداد كامل الدين الذي بقي منه اكثر من 150 مليون دولار. وقد رفض بن زايد مقايضتها بحصص في شركات او مصارف تابعة للحريري، ما خلق مناخا من الغضب تمثل في امتناع الحريري عن الذهاب الى الامارات منذ توليه رئاسة الحكومة. وعُلم ان زيارته امس، تمت بطلب ولي العهد السعودي على قاعدة تقديم الحريري اعتذاره الى ابن زايد واعلان التزامه الخط السياسي، مع التأكيد على ان الديون التي تنازل عنها الحريري ستساعد في حل مشكلته مع بن زايد.
* ابراهيم الامين/ الاخبار