بعد أن تحدثنا في المقال السابق عن النقاط المتفق عليها بين داعش و الوهابية ، نتساءل: لماذا نجح الدواعش فى استقطاب شباب من بلاد العالم، الغني منهم والفقير، ذي الجهل منهم وذي العلم، والقاصي منهم والداني؟ وكيف كسبوا تعاطفا وسط درجات ثقافية متآلفة وأيضا متنافرة؟ وكيف رآها البعض منهم نموذجا مثاليا مطلوبا ومرجوا ومأمولا فى أوساط اجتماعية متباينة، وأيضا متماثلة؟ وكيف ترك شباب منهم، بلادهم وحرياتهم وأعمالهم وأموالهم وشهرتهم إلى نموذج الفوضى والتخلف؟ وكيف هجروا القانون الذي يحفظ للإنسان حريته وحياته وعرضه وماله، ويحترم معتقداته، إلى قانون الغاب الذى يسلب الإنسان حياته وماله، ويحتقر حرية وعقائد الآخر، ويستبيح أمواله وأعراضه تحت دعاوى الأسر والسبي والغنائم، مخالفين بذلك كل قواعد العقل والقانون والأديان، مناهضين ما كسبته الحضارة والمدنية عبر ثوراتها من مئات السنين ضد التخلف والجهل والفوضى؟. كيف اقتنع هؤلاء، وهم فى مقتبل العمر، وزهوة الشباب، بارتداء الحزام الناسف أو ركوب سيارات مفخخة، ليقدموا على تفجير أنفسهم، أو الانتحار بثبات ورباطة جأش دون تردد أو خوف، حتى فى اللحظة الأخيرة طمعا فى الجنة ونعيمها، ولهثا وراء الحور العين فى طرقات الجنة الموعودة، وهو أمر لا ضمان له أو يقين منه؟ وأخيرا لماذا تفوقت داعش فى هذا الأمر على تنظيم القاعدة، وكيف استطاعت أن تشق طريقها بثبات وسط هؤلاء الشباب؟ ولنوضح الأمر.. لابد من فرشة نفرشها، والفرشة هى ما نفرشه ونبسطه من معلومات وحقائق أمام عين القارئ، تفتح له أبوابا يمد منها بصره فتتسع رؤيته، ويدور فى جنباتها فيكشف ما غاب عنه من أسرار وخبايا، ويفك منها خيوطا كانت متشابكة أطرافها فى سهولة ويسر، حتى يرى ما كان معقدا سهلا ميسورا، وما كان عنه بعيدا قد رآه قريبا، وما كان معتما مظلما أصبح منيرا وهاجا. والفرشة هي الآتي: أن الذين انضموا إلى القاعدة فى أغلبهم بعد عمر الثلاثين، وكانوا جميعا ملتزمين دينيا، ولم يميلوا ميلا ناحية التطرف والهوس إلا بعد دراسة واقتناع والتزام، فشدوا جميعا الرحال ناحية القاعدة مرادهم وهدفهم، وكان أغلبهم من جنسيات عربية وإسلامية، سعودية ومصرية وعراقية ويمنية وجزائرية وتونسية، وباكستانية وأفغانستانية وإندونيسية وماليزية وفلبينية، يزيدون في قليل عن الثلاثين جنسية. أما داعش فالأمر يختلف فى كثير، فمعظم الذين انضموا للتنظيم من الشباب، أغلبهم ما بين الخامسة عشرة والثلاثين، حتى تم تكوين كتائب كاملة من سن الخامسة عشرة قوام كل كتيبة فى حدود الألف، وأغلبهم لم يكن ملتزما دينيا، ولم يقرأ ولم يقتنع أو يلتزم، بل منهم حديث العهد بالإسلام، أسلم وسافر للجهاد. أما عن الجنسيات فتزيد عن الثمانين جنسية، فإذا كانت جنسيات الدول المسلمة ظلت كما هي في القاعدة كما الدواعش، تكون الجنسيات الأخرى قد زادت عن الدواعش أضعافا عن القاعدة، ومن الدول غير الإسلامية فرنسا، بريطانيا، السويد، أمريكا، ألمانيا، هولندا إيطاليا وروسيا، والكثير منهم ذو مكانة اجتماعية عالية، منهم مهندسون وأطباء، عكس ما يعتقده البعض من أنهم من فئات تعليمية وثقافية ومادية متدنية فقط، وليسوا جميعا من مدمني المخدرات أو مختلين عقليا أو أصحاب سوابق فمعظمهم لا يعانون اضطرابات نفسية أو عقلية بل معظمهم مرتفعو الذكاء، بل منهم من يتمتع بشهرة واسعة ومال وفير، ولم يكونوا ناظرين مالاً أو جنساً متنوعا شرسا، كما تنوعه لهم الدواعش فهو متاح لهم فى يسر، فمن الذى دفع مغني الراب الألمانى «جينيس كسبرت» إلى الانضمام إلى داعش سوريا وسمى نفسه «أبوطلحة الألمانى»، ومغني الراب البريطانى من أصل مصري «عبدالمجيد عبدالباري»، وعاملة الجيتار البريطانية «سالي جونز» التى سمت نفسها «أم حسين البريطانية»، وعارضات أزياء كان العرى مهنتهن المربحة تركنه للنقاب وجهاد النكاح. ومنهم من جاء من بلاد الغنى والثروة، ينعمون فيها بنعيمها سواء عربية كالإمارات والكويت وغير عربية كالسويد وأمريكا وفرنسا وألمانيا والنمسا، ظاهرة هؤلاء أولى بالمعرفة عن الذين جاءوا بحثا عن المال من بلاد الفقر، أو الجنس من بلاد الكبت، أو المأوى من بلاد تلفظهم كالسيدة «صابرين زين» وهى سيدة عربية مقيمة فى إسرائيل وزوجها «بسام» وأطفالهما الثلاثة يتم القبض عليهم حين حاولوا التسلل عبرالأراضى التركية إلى الموصل للانضمام إلى داعش وتتسلمهم إسرائيل وتتم محاكمتهم وسجنهم أربع سنوات. وهؤلاء عشرون طالبا فى كلية العلوم الطبية بالسودان تركوا دراستهم وعلى رأسهم طالبة تدعى «روان زين العابدين» ينضمون إلى صفوف داعش في العراق وسوريا ويقول البعض إنهم ذهبوا بدافع إنسانى لعلاج المرضى والمصابين، وحبستهم داعش لديها للعمل بالقوة ومنعوهم من المغادرة. ومنهم حديثو العهد بالإسلام، لم يفهم ولم يسمع حتى يتطرف، فهذا أب أسلم حديثا من أستراليا نزح إلى سوريا هو وأسرته عبر تركيا يدرب ابنه ذا الخامسة على حمل الرؤوس المذبوحة، وصغيره الآخر يدربه على إطلاق الرصاص على الأسرى بعد قتلهم تمهيدا لقيامه بدور البطولة في قتل الأحياء منهم فى مسلسل آخر ولم يكن مجنونا أو مخبولا. ومنهم مراهقات ربما بحثن عن الجنس المفرط من رجال أشداء، كما صدرتها الدواعش عن رجالها وقدرتهم على المضاجعة لعشر فى الليلة الواحدة، فأسَرهن الجنس على السمع، فهؤلاء ثلاث فتيات مراهقات من شرق لندن يهربن إلى مدينة الرقة بسوريا، ويلحقن بصديقتهن التى هربت من مدينتهن قبلهن بشهرين، يتزوجن من ثلاثة مقاتلين، وتترمل اثنتان منهن بعد زواجهن من مقاتلين أستراليين ماتا فى إحدى المعارك، فى آخر اتصال تليفونى أخبرت إحداهن أهلها أنهن ممنوعات من استخدام الهاتف النقال، وأنهن مكلفات بإشباع رغبات المقاتلين وقضاء شهواتهم ووطرهم، ولم يعُد لها طاقة أو حمل من كثرة المضاجعة، فكل المقاتلين قد ضاجعوها، وأن أملها فى العودة إلى بلادها قد أصابه الشلل. أما عن الباحثين عن الجنس والنازحين إليه، والراجلين إلى مواخيره، والواقفين على بابه فكثر، وحدث فيه ولا تخشى فيه حرجا، فالخليفة ينتقى من النساء الجميلات، ويهادى من قوّاده ورجاله من السبايا ما شاء، والباقيات يعرضن للمزاد، ويحق لجنسيات محددة شراء ما شاءوا من السبايا، أما جهاد النكاح فمفتوح على مصراعيه، ما قدر جهده وما وسعته فحولته، دون ثمن أو كلفة، وقد كان مهددا به فى موطنه غير قادر عليه.
بقلم : عادل نعمان