أول خلاف: الدواعش ترى أن الجهاد إثخان فى القتل، وإرهاب وتعذيب وتشريد وحرق وتنكيل، وذلك لسببين، الأول: إرهاب العدو وتخويفه خصوصا فى بدايات الجهاد. والثانى: خوفهم وقلقهم على مصيرهم إذا ما هزموا وتمكن منهم أعداؤهم، والقاعدة لا توافق على هذا المنهج. ثانى خلاف: على الرغم من اتفاقهما على تسمية أعدائهما، إلا أن الخلاف بينهما حول ترتيب البدء بالقتال، فالدواعش ترى البدء بقتال العدو القريب من المشركين والمرتدين والمنافقين والمخالفين من المسلمين، وأصحاب الأديان الأخرى فى ديار الإسلام، لأن كل هؤلاء أشد خطرا على الإسلام من الكافرين، أما القاعدة فتبدأ بالعدو البعيد وهما أمريكا وإسرائيل، وفى الحقيقة لم يوجه أحدهما رصاصة واحدة إلى إسرائيل. وإلى بقية الخلافات.
الخلاف الثالث: القاعدة ترى أن الدواعش يبالغون ويتوسعون فى التكفير دون علم شرعى، حتى كفروا كل المسلمين عداهم، وكفروا أيضا كافة التنظيمات الجهادية وغير الجهادية، واعتبروا أنفسهم على الحق وغيرهم على الباطل، وهذه مبالغة لا سند لها، كما أنهم لا يملكون أهلية شرعية لهذا الحكم، ولا يفقهون فى تنزيل حكم الكفر على من كفر.
الخلاف الرابع: القاعدة ترى أن إعلان داعش لدولة الخلافة الإسلامية ساقط لأنه تم دون بيعة أو تمكين (رأى ابن تيمية تنعقد الإمارة إما بالرضا «البيعة» أو بالغلبة «التمكين») والشرع يقرر، عقد البيعة إما برضا العموم أو رضا الخصوص (أهل الحل والعقد وليس له عدد محدد) أو بالجبر والسيف، وفى هذا يقول أحمد بن حنبل (السمع والطاعة للأئمة ولأمير المؤمنين- البر والفاجر- ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين) (السادة الفقهاء جعلوا طريقة بيعة كل خليفة من الخلفاء أو الأمراء، صالحا أو طالحا، سندا مشروعا فى الخلافة، مهما كان ظلمه أو جهله) وبالتالى تفتقد داعش لشرعية الخلافة، فهى ولاية ناقصة وغير كاملة.
الخلاف الخامس: داعش لا ترى طريقا للخلافة سوى الجهاد والقتال وحرب الطغاة والمشركين والمخالفين دون هوادة، ويتطلب الأمر لسهولة وصول المجاهدين إلى نقطة الانطلاق، تجهيز منطقة جغرافية تؤسس فيها دولة الخلافة حتى يبدأ منها الجهاد، ومن هنا وجد الشباب الباب مفتوحا للسفر دون حائل أو مانع، واستقطبت داعش شبابا فشلت القاعدة فى ضمهم واستقطابهم إليها، وكان هذا سببا فى إسراع داعش عن إعلان دولة الخلافة ومعارضة القاعدة لها، حتى يكون الجهاد ميسرا للمجاهدين، وقد وصل الأمر إلى استقطاب صبية تقل أعمارهم عن 15عاما، وانضمام جنسيات مختلفة تزيد على ثمانين جنسية منهم عرب وأجانب، ألمان وروس وفرنسيون وأستراليون وأمريكان ودول كثيرة أخرى، ومنهم كثير قد دخلوا الإسلام حديثا. أما القاعدة فهى براجماتية النظرة إلى حد ما، فعلى الرغم من يقينها أن الجهاد هو الحل الأمثل لكنه ليس الحل الوحيد المتاح حتى يرفض غيره، فهى لا تمانع فى وجود بدائل أخرى لدى الغير من رفاق الطريق، توسع به دائرة الوصول ومساحة الهدف، وإن كان يتعارض مع الفكر السلفى لكنها تؤمن به مؤقتا، فتؤمن مؤقتا بالثورات التحررية، وتوافق على منهج الديمقراطية على الرغم من كفره، لكونها وسائل للتمكين دون حرب مباشرة أو كلفة، ولهذا وقفت القاعدة وباركت ثورات الربيع العربى لإتاحة الفرصة للتيارات الإسلامية للانقضاض والتمكين لأنها القوى الجاهزة دون غيرها، واعتبرت داعش وقوف الظواهري ومؤازرته لحكم الإخوان المسلمين فى مصر كفرا بواحا، وإن قبول الإخوان منهج الديمقراطية وصولا للحكم كفر أيضا، واعتبروا محمد مرسى طاغوتا وكافرا من فئة الحكام الطواغيت لا فرق بينه وبين غيره، فالديمقراطية كفر بواح، ولا يجوز السير فيها، وأن الترشح للانتخابات سواء رئاسية أو برلمانية هو «الكفر الأكبر»، «وكل من شرع للناس فقد جعل نفسه إلها وندا لله»، فلا يجوز الوصول إلى الإيمان بكفر.
الخلاف السادس: القاعدة تنظيم هيكلى هرمى، قيادة وفروع ووكلاء فى دول، لا يتم العمل الإرهابى إلا بواسطة عناصره، ولا يخرج إلى العلن إلا إذا اعتمد وصدرت الأوامر له «وحدة الهدف ومركزية القرار واعتماد التنفيذ»، أما الدواعش فهو فكر، كل من يؤمن به ويعتنقه أصبح داعشيا دون انضمامه إلى التنظيم أو هيكله الإدارى، ينفذ ما يراه من عمليات إرهابية فرادى أو مجتمعين دون الرجوع إلى قيادات عليا، وينفذها على مسؤوليته، ويحسب رصيدها فى نهاية الأمر إلى الدواعش، وهذا ما تعتمد عليه داعش فى كل المناطق، المهم هو إنهاك الدول لخلق ما يسمى «إدارة التوحش»، ولم يكن الأمر مقصودا أو مدبرا أن تكون داعش دون هيكل تنظيمى، بدليل اختيار الاسم «الدولة الإسلامية»، فالدولة تعنى تنظيما وهيكلا إداريا، إلا أن انتشار الفكر الداعشى، ونمو الظاهرة السرطانى الهائل وغير المتوقع حال دون إعداد تنظيم على غرار القاعدة، التى كانت محصورة فى بداياتها فى منطقة جغرافية محددة، وهدف جغرافى واحد وهو أفغانستان، وزادت قوة التنظيم تدريجيا مع توسع الهيكل الإدارى له. داعش ارتأت أن نمو الظاهرة على هذا الشكل يمثل انتشارا واسعا «تعدد الأهداف وحرية القرار وسرعة التنفيذ»، وهذا هو مكمن خطورة هذا التنظيم، وذلك لصعوبة تتبع أعضائه، فعنصر القاعدة يمكن الوصول إليه من خلال تنظيمه وهيكله الإدارى وتتبعه فى حالة تحقيق اتصاله بالتنظيم، أما العنصر الداعشي فليس له اتصال خارجي، اللهم على نطاق محدود ومباشر مع من يحمل فكره، أو اتفقوا على تنفيذه دون اعتماد، وفى الغالب فهو صوت غير مسموع ولا يمكن الوصول إليه أو مراقبته وبالتالى يصعب الوصول إلى العمليات إلا بعد تنفيذها.
بقلم عادل نعمان