ما العلاقة بين شهر صفر والنّحوسة؟!

الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 13:29 بتوقيت مكة
ما العلاقة بين شهر صفر والنّحوسة؟!

مناسبات - الكوثر

أطلّ علينا قبل أيام شهر صفر، وهذا الشهر هو كبقية الشهور القمرية التي أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنها وجدت منذ وجد الكون ووجدت السّماوات والأرض، وهي نتاج حركة القمر حول الأرض، وهذا الشّهر ككلّ زمن، يحتضن في داخله مناسبات، منها ما هي حزينة، ومنها ما تُنتِجُ فرحاً.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}. صدق الله العظيم...

أطلّ علينا قبل أيام شهر صفر، وهذا الشهر هو كبقية الشهور القمرية التي أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنها وجدت منذ وجد الكون ووجدت السّماوات والأرض، وهي نتاج حركة القمر حول الأرض، وهذا الشّهر ككلّ زمن، يحتضن في داخله مناسبات، منها ما هي حزينة، ومنها ما تُنتِجُ فرحاً.

 

شهر صفر والنّحوسة!!

لكنّ الملفت، أنّ هذا الشّهر أعطي في وجدان العرب والمسلمين صفة النحوسة، بحيث راح يستدعي قدومه الخوف عند الكثير من النّاس مما قد يحدث فيه من بلاءات وعدم توفيق، حتى نرى البعض يتورّعون عن الزواج فيه، خشية ألا يتوفّق الزوجان في حياتهما، أو يمتنعون فيه عن شراء منزل أو الانتقال إليه أو تأثيثه، أو إجراء عقود ومعاملات، تجنّباً لتعرضهم لنحوسته، ويصاحب ذلك الخوف المتزايد من حدوث أمراض وعاهات ومصائب، بحيث يبدو هذا الشّهر وكأنه كابوس يريد أن يضيّق على النّاس جميعاً وبدون أيّ استثناء...

إنّ هذا الاعتقاد بفكرة نحوسة شهور بعينها، أو أيّام أو أرقام معيّنة، أو حيوان أو حركة طير، مما هو متداول بين الناس عندنا، هو مما لا يختصّ به شعب من الشعوب دون غيره، حتى إنّنا نجده في الدول التي تعتبر متقدّمة علميّاً.. فبعض الدّول تراها تلغي مثلاً رقم 13 من حساباتها، نظراً إلى ارتباط هذه الأرقام بالنحوسة. فالتطير والتشاؤم هو نوع من الضّعف البشريّ المخلوط بالخوف والحاجة إلى الأمن والسلامة، فالإنسان في أحايين كثيرة، يميل إلى الإيمان بهذه الأشياء، وحتى وإن كان غير مقتنع بها، فإنه لا يجرؤ على تخطّيها.

 

ربط التطيّر بالدّين!

ولكن ما يستوقفنا هنا، هو إعطاء البعد الدّيني لهذه الأفكار، وادّعاء شرعيّتها من الدّين، وهنا الخطورة، فنحن مثلاً نقرأ في كتب الأدعية، ومنها كتاب "مفاتيح الجنان"، والذي من جلالة قدر مؤلّفه وأهميّة الكثير مما حفظه هذا الكتاب من أدعية وزيارات، قد يأخذه الكثيرون أخذ المسلّمات، ويتبنّونه كحقيقة دينيّة لا لبس فيها، علماً أنّ بعض ما فيه هو موضع تساؤل.. فنراه عند حديثه عن شهر "صفر" يقول: "اِعلم إنّ هذا الشّهر معروف بالنّحوسة، ولا شيء أجدى لرَفع النّحوسة من الصّدقة والأدعية والاستعاذات المأثورة، ومن أراد أن يصان ممّا ينزل في هذا الشّهر من البلاء، فليقل كلّ يوم عشر مرّات..."، ويذكر دعاءً خاصّاً بالمناسبة.

طبعاً نحن لا نعرف ظرف ورود مثل هذا الكلام في هذا الكتاب ولا سياقاته؛ هل هو قناعة خاصّة عند مؤلّفه، أم هو معالجة للنّتائج التي تترتّب على ما هو سائد في الموروث الشّعبي بعد تأصّله في الوجدان وعدم القدرة على مواجهته؟

إذاً السؤال: هل هناك ما ورد في النصوص الدينيّة ما يؤكّد فكرة النحوسة ويثبتها لهذا الشّهر أو لغيره؟ لأنّ النحوسة وردت لأيّام من الأسبوع، كيوم الإثنين والأحد والأربعاء، أو لأيام متفرقة من الأشهر القمريّة.. إنّ المتتبّع لسند الأحاديث الواردة عن رسول الله(ص) والأئمّة(ع) ولمضمونها، يستطيع أن يؤكّد أن لا صحّة لوجود شهر نحس أو أيّام نحسات ينبغي أن تتعطّل فيها الحياة ويعيش فيها النّاس التوتّر من الأيّام. فالله سبحانه وتعالى لم يودع في الزمن، كما لم يودع في الأرقام أو الكواكب أو النّجوم، ما يؤثّر في حياة الإنسان ويستوجب شقاءه أو حتى يستوجب سعادته.

 

الاستناد إلى القرآن!

نعم، هناك من حاول أن يستدلّ على وجود مثل هذه الآيات من القرآن الكريم، انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى عن العذاب الّذي تعرّض له قوم عاد: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ}، وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}، فقد يستفيد منها البعض وجود أيّام نحس أو يوم نحس مستمرّ. ولا تقتصر الآيات في حديثها عن دور سلبيّ للأيّام، بل تتحدّث عن دور إيجابيّ، كما في قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ}، أو عندما تتحدّث عن ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر.

لكن من نافل القول أنّ هذا الاستدلال لا يصمد أمام أيّ نقد منهجي، فالقرآن الكريم لم يتحدّث عن الأيّام هنا بما هي مساحات زمنيّة لها تأثير في الأحداث، بحيث تنتج النّحس أو تنتج السّعد، بل لكونها محض وعاء للأحداث الّتي حصلت فيها، والتي وقع فيها العذاب، كما جرى لقوم عاد، أو الانتصارات، كما هي أيّام الله، أو البركات والخيرات الّتي تتنزّل بها الملائكة والروح في ليلة القدر.

 

لا مسؤوليّة للزّمن

ومن هنا جاءت الأحاديث تؤكّد عدم جواز تحميل الزمن أيّ مسؤوليّة، فهو قد يكون فرصة من فرص الخير والسّعادة، أو محطّة من محطات التعاسة والشقاء، كلّ ذلك حسب الظروف والمقدّمات والنظام الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها من العوامل.

لذا نجد الإمام الصّادق(ع) يحذّر بقوله: "لا تسبّوا الجبال ولا السّاعات ولا الأيّام ولا اللّيالي...". فهي ليست مسؤولةً عمّا يحدث، (كما يقول الكثيرون: الله يلعن هذه السّاعة أو هذا الزّمن).

وهنا نورد حواراً جرى مع الإمام الهادي(ع)، إذ جاء إليه أحد أصحابه يتذمّر ويقول: ... نكبت إصبعي، تلقّاني راكبٌ وصدم كتفي، ودخلت في زحمةٍ فخرقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يومٍ فما أشأمك! فغضب الإمام الهادي(ع) غضباً شديداً، وقال له: "... ترمي بذنبك مَن لا ذنب له؟!"، فقلت: مولاي، أستغفر الله، فقال: "ما ذنبُ الأيّام حتى صرتم تتشاءمون بها؟!" ثم قال(ع): "أما علمت أنَّ الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال، عاجلاً وآجلاً".

 

روايات النّحوسة سندها ضعيف

أمّا حين نستعرض الرّوايات والأحاديث الّتي تحدّثت عن نحوسة شهر صفر وغيره من الأيّام، فإنّنا بتتبّعنا لسند هذه الرّوايات ومضمونها ودلالاتها، نجد أنّ هذه الروايات بمجملها ضعاف ومراسيل، وتمثّل خللاً في العقيدة في مرات كثيرة، سواء شعر الإنسان بذلك أم لم يشعر، لأنَّ الانسان ينسب أمر الرّزق والتّيسير والتحكّم بحياة الانسان إلى غير الله، حاشا وكلا! فالله سبحانه وتعالى وحده مالك الأمر والتّدبير، وهذا ما يشير إليه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقوله سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للهِ}.. فضلاً عن أنّ ذلك يؤدّي إلى تجميد حركة الإنسان وفعاليّته وتعطيلهما، وهو ما يتنافى مع دعوة الإسلام إلى إطلاق كلّ الطاقات الإنسانيّة، ومع الأحاديث الكثيرة التي ذمَّت تأثير بعض الأشياء في الإنسان، وما ينتج منها من التطيّر، حتى ورد: "ليس منّا من تطيَّر أو تطير له".

 

أساس فكرة التطيّر

هنا قد يطرح سؤال: من أين جاءت إذاً فكرة التطيّر في شهر صفر أو في غيره من الأيّام؟ هنا قد يضعها البعض في إطار ما جرى في هذا الشَّهر، حيث جرت فيه وفاة رسول الله(ص)، مع ما في ذلك من ألم وحزن، كما جرت فيه وفيّات عدد من أئمّة أهل البيت(ع)، وفيه أربعون الحسين(ع).

ولكنّ هذا لا يستدعي أن تكون هذه الأيّام نحسة، بل تستدعي الحزن على وفاة من كان لهم دور في حياتنا، وهم أقرب إلينا حتّى من آبائنا وأهالينا. ولو أجرينا هذا المبدأ، لكانت كلّ الأيام نحسة، لأنّه ما من يوم إلا ومات أو استشهد نبيّ أو وليّ أو صدّيق.

ثم لو أخذنا شهر صفر أو أيّ يوم من الأيّام التي تعتبر نحسات، لوجدنا فيها فرحاً وسروراً، كما فيها حزن ومأساة، ففي أيام صفر مثلاً، نجد مناسبة ولادة الإمام الكاظم(ع) في السابع منه، وزواج رسول الله(ص) من السيّدة خديجة، وورد أيضاً زواج السيّدة الزّهراء(ع) في هذا الشّهر، والأمر نفسه في الأيّام الّتي ورد أنها نحسات.

لذلك، قد يقال إنّ الأصل في ذلك، كون شهر صفر يأتي بعد ثلاثة أشهر من الأشهر الحرم الّتي كان يتوقّف فيها القتال، وبمجرد انتهائها، كانت نفوس النّاس تنقبض، لأنّ شهر صفر سيأتي بالحرب الّتي تنغّص حياتهم، ولذلك راح البعض يتشاءم من شهر صفر.

إذاً، من خلال ذلك، نستطيع القول أن لا أساس دينيّاً للقول بأنّ الزمن أو الكواكب أو حركة الطير أو مشهد حيوانات معيّنة تترك أثرها على حياة الإنسان. فالموجودات والكائنات والزمان وحركة الأفلاك كلّها تتحرّك وفق السنن والقوانين التي أودعها الله في الكون، وهو سخّرها لخدمة الإنسان وليس العكس. ومن هنا، نجد أغلب العلماء عندما يذكرون شهر صفر، يذيّلونه بعبارة صفر الخير، أو صفر المظفّر، وذلك لدفع ما رسخ في أذهان النّاس من أنه شهر نحس.

 

علاج التّطيّر

لكنّ الإسلام في الوقت نفسه كان واقعيّاً في تعامله مع الّذين يتشاءمون، ولو بغير إرادة منهم، فهو لم يتنكّر لتشاؤمهم، الّذي قد يصيبهم نتيجة عوامل نفسيّة أو ثقافيّة، فدعا إلى معالجة ذلك، بالتوكّل على الله، والالتجاء إليه، والاستعاذة به، والدّعاء والصّدقة، وأيضاً بنشر الوعي حول بعض الأمور، وخصوصاً التي تتستّر بالدّين كما أسلفنا.

وقد ورد في الحديث: "كفّارة التطيّر التوكّل على الله". ومن هنا، يمكن لنا أن نفهم وجود العديد من الأدعية الواردة في هذا الشّهر، فهي لم ترد لتثبت فكرة النّحوسة، بل لإزالة الأوهام التي تنشأ، والّتي قد تستند إلى أقوال أو معطيات عن حصول حوادث مسيئة في هذا الشّهر، وغالباً ما تنسى الأحداث المفرحة معها.

 

لا خوف مع الإيمان

إذن، فلندخل إلى شهر صفر وغيره من الشّهور دخول المتفائلين، لا دخول الخائفين، فما دمنا في مملكة ربّنا الله الرّحمن الرّحيم الحكيم الكريم الودود العطوف، فلن نشعر بالخوف، وسندعو الله بما ندعو به كلّ يوم: "اللَّهمّ وهذا شهر حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسنّا ودّعنا بحمد، وإن أسأنا فارقنا بذمّ. اللّهمّ وارزقنا حسن مصاحبته، واعصمنا من سوء مفارقته، بارتكاب جريرة، أو اقتراف صغيرة أو كبيرة، وأجزل لنا فيه من الحسنات".

*السيد علي فضل الله

المصدر : بينات

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 - 13:10 بتوقيت مكة