والصخرة عبارة عن كتلة مستطيلة من الحجر الرملي الأحمر، قياس طولها نحو 65 سم، وتزن نحو 152 كيلوغراماً، وتوجد أعلاها حلقات حديدية مُثبّتة، وتفوق قوة وأهمية الصخرة مظهرها المادي بكثير؛ فخلفها تكمن الكثير من الأساطير والأحداث التاريخية، لذلك سنتعرف عليها بالتفصيل فيما يلي.
اختلفت الأساطير حول أصلها
تباينت القصص المحيطة بأصول هذه الصخرة، فوفقاً للأسطورة التوراتية يُعتقد أن الصخرة كانت “وسادة يعقوب”، في إشارة إلى قصة الكتاب المقدس التي نام فيها على الصخرة في فلسطين، ورؤيته الملائكة تهبط وتصعد إلى السماء، بعد ذلك حمل أبناؤه الصخرة إلى مصر، ثم جُلبت إلى أسكتلندا في القرن التاسع، وتحديداً عام 850م عن طريق إسبانيا وإيرلندا.
بينما ذكرت الأساطير المصرية أنها كانت ملكاً لأميرة فرعونية تدعى “سكوتا”، هربت بها من مصر نحو عام 1335 قبل الميلاد، بصحبة زوجها اليوناني “غاثيلوس” وأتباعه، إلى إسبانيا ثم إلى إيرلندا، واستقرت الصخرة في نهاية المطاف بمنطقة “دالريادا” الواقعة شمال مدينة “غلاسكو” المعروفة حالياً باسم “أرجيل”، ويُقال إن الأسكتلنديين اتخذوا هذا الاسم نسبةً إلى الأميرة “سكوتا”، ليصبحوا معروفين عبر التاريخ باسم “سكوتي”.
أما في الأساطير الإيرلندية القديمة، فتُعرف “صخرة المصير” باسم “ليا فيل” الذي يعني “الظل الروحي”، وتُخبرنا تلك الأساطير بأن الصخرة كانت واحدة من الكنوز الأربعة العظيمة التي أعطتها الآلهة لشعب “الكلت” الأوائل، والكنوز الثلاثة الأخرى كانت السيف الذي لا يُقهر والرمح الناري الأحمر والمِرجَل، وقد استخدموا تلك الصخرة في تتويج ملوكهم، ويُعتقد أنها جُلبت إلى أسكتلندا بعد غزوهم إياها في القرن التاسع الميلادي.
بعد انتصار بريطانيا على أسكتلندا.. كانت الصخرة من الغنائم
استُخدمت الصخرة عدة قرون كمقعد لتتويج ملوك “دالريادا” الأسكتلنديين غرب أسكتلندا، ثم نُقلت فيما بعد إلى مقاطعة “بيرث” ووُضعت أعلى تل “مووت” في قصر “سكون”، وكان الملك الأسكتلندي “ماك بيث” أول من يُتوج على الصخرة في القرن الحادي عشر، بينما كان الأخير الملك “جون باليول” عام 1292م.
خلال حرب الاستقلال الأسكتلندية وتحديداً عام 1296م، استولى “إدوارد الأول”، ملك إنكلترا، على الصخرة بعد انتصاره في معركة “دنبار”؛ تأكيداً منه على أن أسكتلندا لم تعد مملكة مستقلة، ونُقلت الصخرة إلى دير “ويستمنستر” في لندن، ووُضعت أسفل كرسي ملكي ذي تصميم خشبي على الطراز القوطي، واستُخدمت في مراسم تتويج ملوك إنكلترا، بما في ذلك الملكة “إليزابيث الثانية”.
عُدَّت سرقة “صخرة المصير” بمثابة وصمة عار في حق القوميين الأسكتلنديين؛ لفقدانهم رمزاً مقدساً في تاريخهم، وأصبح تل “مووت” بعد غياب الصخرة مكاناً لتتويج الملوك الأسكتلنديين فيما بعد.
محاولة فاشلة لسرقتها
بُذلت محاولات مختلفة على مر السنين لإعادة الصخرة إلى أسكتلندا، وقد وافق ملك إنكلترا، “إدوارد الثالث”، خلال معاهدة “إدنبره-نورثامبتون” عام 1328م، على إعادتها، ولكن الحشود الغاضبة من جماهير الشعب تصدت له ومنعته من إتمام الأمر.
لكن بعد ذلك بأعوام كثيرة، استولي 4 طلاب أسكتلنديين من جامعة “غلاسكو” على الصخرة في عام 1950م، وأخذوها من دير “ويستمنستر” في لندن، آملين إعادتها إلى أسكتلندا، لكن عندما علمت الشرطة البريطانية بذلك أغلقت الحدود بين أسكتلندا وبريطانيا، ونجحت في العثور عليها وإعادتها إلى الدير بعد 4 أشهر، تحديداً يوم 13 أبريل/نيسان 1951م، ولم توجّه أي تُهم مطلقاً ضد الجناة؛ فقد اهتموا فقط بإعادة الصخرة إلى مكانها.
أخيراً.. العودة إلى الديار الأسكتلندية
بعد مرور ما يقرب من 100 عام من استيلاء الملك “إدوارد الأول” على الصخرة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، جون ميجور، في الثالث من يوليو /تموز 1996م، إعادة “صخرة المصير” إلى أسكتلندا.
جرت الإجراءات في سرية تامة آنذاك، وقد عَدَّت أسكتلندا ذلك بمثابة بادرة للمصالحة وحيلة سياسية ابتكرها رئيس الوزراء البريطاني؛ بهدف إمكانية استعادة الصخرة في مراسم تتويج ملوك بريطانيا القادمين بدير “ويستمنستر”.
وقد اصطف ما يقرب من 10 آلاف شخص في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1996م؛ لمشاهدة عودة الصخرة إلى أسكتلندا بعد غياب ما يقرب من 700 سنة، في موكب ضخم ضم العديد من الشخصيات البارزة وقوات الشرطة، من قصر “هوليرود هاوس” إلى قلعة “إدنبره”، ومنذ ذلك الحين يزورها سنوياً مئات الآلاف.