وینتقل السياق إلى موسى وهارون وما كان من أمر بني إسرائيل معهما. لقد مات فرعون مصر و غرق أمام عيون المصريين وبني إسرائيل ، إلِا أنّ تأثیره ظل باقيا في نفوسهم ؛ فمن الصعب على سنوات القهر الطويلة والذل الشدید أن تمرّ على نفوس الناس مرور الكرام . لقد صنع فرعون في نفوس بني إسرائيل شيئا سندركه من الآيات بعد قليل. لقد عوّدهم الذل لغير الله وهزم أرواحهم ، فانطووا علی انفسهم راضین بما ألّم بهم و معجبین بمن أذلّهم . لقد أفسد فطرتهم فآذوا نبيّ الله موسی (ع) اذی شدیداً و وقفوا في وجهه وقوف المعاند الجاهل .
كانت معجزة شق البحر لاتزال تدغدغ أذهانهم عندما مرّوا على قوم يعبدون الأصنام ؛ فبدلا من أن يظهروا استياءهم من هذا الظلم الذي یستهدف العقل و النفس معا ، ويحمدوا الله أن هداهم للإيمان ، تجدهم یطلبون من نبیّهم موسی (ع) أن يجعل لهم إلها يعبدونه کما یفعل الناس من حولهم . لقد أدركتهم الغيرة لمرأى الأصنام، ورغبوا في مثلها، وعاودهم الحنين لأيام الشرك القديمة التي عاشوها في ظل فرعون فذکّرهم موسی (ع) و نبّههم إلى جهلهم الذي اغرقهم في الظلمات و المتاهات :
قال تعالى في محکم کتابه :
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى عليه السلام التي تتمثّل في تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والتعذيب على يد فرعون وجنده والسير بهم إلى الديار المقدسة. في الحقیقة لم یکن القوم على استعداد للمهمة الكبرى ، ألا و هي الخلافة في الارض . فكان الاختبار الأول أكبر دليل على ذلك . فما أن رأوا قوما يعبدون صنما، حتى تزلزلت عقيدة التوحيد في نفوسهم ، وطلبوا من موسى أن يجعل لهم وثنا يعبدوه. فكان لا بد من رسالة مفصّلة لتربية هذه الأمة وإعدادها لما هم مقبلون عليه. فمن أجل هذه الرسالة العظیمة كانت مواعدة الله لعبده موسى ، فشکّلت إعدادا لنفسه الشریفة کي يتهيأ لذاک الموقف الهائل العظيم .