لنا في ذلك طرق أحدها : أن نقول : قد ثبت وجوب الإمامة في كل زمان من جهة العقل ، وأن الإمام لا بد أن يكون معصوما ، منصوصا عليه ، وعلمنا أن الحق لا يخرج عن أمة محمد .

فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الأمة بعد وفاة أمير المؤمنين : فقائل يقول : لا إمام .

وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة .

وقائل يقول : بإمامة من ليس بمعصوم .

وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة .

وقائل يقول : بإمامة الحسن ويقول : بعصمته ، فيجب القضاء بصحة قوله ، وإلا أدى إلى خروج الحق عن أقوال الأمة .

وثانيها : أن نستدل بتواتر الشيعة ونقلها خلفا عن سلف : أن أمير المؤمنين عليا نص على ابنه الحسن بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول ، ولا فرق بين من ادعى عليهم الكذب فيما تواترت به ، وبين من ادعى على الأمة الكذب فيما تواترت به من معجزات النبي ، أو ادعى على الشيعة لكذب فيما تواتروا به من النص على أمير المؤمنين .

وكل سؤال ، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام .

وثالثها : أنه قد اشتهر في الناس وصية أمير المؤمنين إليه خاصة من بين ولده وأهل بيته ، والوصية من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمة في أوصيائهم ، لا سيما والوصية علم عند آل محمد صلوات الله عليهم كافة إذا انفرد بها واحد بعينه على استخلافه ، وإشارة إلى إمامته ، وتنبيه على فرض طاعته ، وإجماع آل محمد صلوات الله عليهم حجة .

ورابعها : أن نستدل بالأخبار الواردة فيما ذكرناه ، فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب الكليني - وهو من أجل رواة الشيعة وثقاتها - عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : ( يا بني ، أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي ودفع إلي كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ) .

ثم أقبل على ابنه الحسين فقال : ( وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا ) ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال : ( وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد ابن علي ، واقرأه من رسول الله ومني السلام ) .

وعنه ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمد بن علي مثل ذلك سواء .

وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عن أبيه : ( إن أمير المؤمنين لما حضرته الوفاة قال لابنه الحسن : ادن مني حتى أسر إليك ما أسر إلي رسول الله وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ) ففعل .

وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب : أن عليا لما سار إلى الكوفة استودع أم سلمة رضي الله عنها كتبه والوصية ، فلما رجع الحسن دفعتها إليه . وخامسها : إنا وجدنا الحسن بن علي قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه الناس على أنه الخليفة والإمام ، فقد روى جماعة من أهل التاريخ : أنه خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال : ( لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتى يفتح الله تعالى على يديه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قبض يوشع بن نون ، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ) .

ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ، ثم قال ( أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) فالحسنة مودتنا أهل البيت ) .

ثم جلس فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه .

فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة .

فلا بد أن يكون محقا في دعوته ، مستحقا للإمامة مع شهادة النبي له ولأخيه بالإمامة والسيادة في قوله : ( ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ) وقوله : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) وشهادة القرآن بعصمتهما في قوله تعالى : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير ) على ما تقدم القول فيه . وسادسها : أن نستدل على إمامته بما أظهر الله عز وجل على يديه من العلم المعجز ، ومن جملته حديث حبابة الوالبية أورده الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال : حدثنا علي بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن محمد ، عن أ بي علي محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أحمد بن القاسم العجب ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد ، عن محمد بن خداهي ، عن عبد الله بن أيوب ، عن عبد الله ابن هشام ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن حبابة الوالبية قالت : رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس ، ثم ساقت الحديث إلى أن قالت : فلم أزل أقفو اثره حتى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله ؟ قالت : فقال : ( إئتيني بتلك الحصاة ) وأشار بيده إلى حصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال لي : ( يا حبابة ، إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه شئ يريده ) .

قالت : ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين فجئت إلى الحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه فقال لي : ( يا حبابة الوالبية ) . فقلت : نعم يا مولاي .

قال : ( هاتي ما معك ) . قالت : فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها ، كما طبع أمير المؤمنين .

قالت : ثم أتيت الحسين وهو في مسجد الرسول فقرب ورحب ، ثم قال لي : ( أتريدين دلالة الإمامة ؟ ) .

فقلت : نعم يا سيدي .

قال : ( هاتي ما معك ) فناولته الحصاة فطبع لي فيها . قالت : ثم أتيت علي بن الحسين وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت ، وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعا وساجدا مشغولا بالعبادة ، فيئست من الدلالة ، فأومى إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي قالت : فقلت : يا سيدي كم مض من الدنيا وكم بقي ؟ فقال : ( أما ما مضى فنعم ، وأما ما بقي فلا ) .

قالت : ثم قال لي : ( هات ما معك ) فأعطيته الحصاة فطبع فيها ، ثم أتيت أبا جعفر فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبد الله فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر فطبع لي فيها ، ثم أتيت الرضا فطبع لي فيها .

وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر علن ما ذكره عبد الله بن هشام .

قال : وحدثنا محمد بن محمد بن عصام ، عن محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر قال : حدثني أبي ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمد قال : ( إن حبابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين فرد الله عليها شبابها ، وأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها ، ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة .

شاركوا هذا البرامج مع أصدقائكم